فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَلَا تَقُولَنَّ لِشَاْيۡءٍ إِنِّي فَاعِلٞ ذَٰلِكَ غَدًا} (23)

{ وَلاَ تَقْولَنَّ لِشَيء إِنّي فَاعِلٌ ذلك غَداً } أي : لأجل شيء تعزم عليه فيما يستقبل من الزمان ، فعبر عنه بالغد ، ولم يرد الغد بعينه ، فيدخل فيه الغد دخولاً أوّلياً . قال الواحدي : قال المفسرون : لما سألت اليهود النبيّ صلى الله عليه وسلم عن خبر الفتية فقال : «أخبركم غداً » ، ولم يقل إن شاء الله ، فاحتبس الوحي عنه حتى شقّ عليه ، فأنزل الله هذه الآية يأمره بالاستثناء بمشيئة الله يقول : إذا قلت لشيء : إني فاعل ذلك غداً ، فقل : إن شاء الله . وقال الأخفش والمبرد والكسائي والفراء : لا تقولنّ لشيء إني فاعل ذلك غداً إلا أن تقول إن شاء الله ، فأضمر القول ولما حذف تقول نقل شاء إلى لفظ الاستقبال ، قيل : وهذا الاستثناء مفرّغ ، أي : لا تقولنّ ذلك في حال من الأحوال ، إلا حال ملابسته لمشيئة الله وهو أن تقول إن شاء الله ، أو في وقت من الأوقات إلا وقت أن يشاء الله أن تقوله مطلقاً ، وقيل : الاستثناء جار مجرى التأبيد كأنه قيل : لا تقولنه أبداً كقوله : { وَمَا يكون لَنَا أَن نَعُودَ فِيهَا إِلا أَن يَشَاء الله } [ الأعراف : 89 ] .

لأن عودهم في ملتهم مما لا يشاؤه الله . { واذكر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ } الاستثناء بمشيئة الله أي : فقل إن شاء الله ، سواء كانت المدّة قليلة أو كثيرة .

وقد اختلف أهل العلم في المدّة التي يجوز إلحاق الاستثناء فيها بعد المستثنى منه على أقوال معروفة في مواضعها وقيل : المعنى { واذكر ربَّكَ } بالاستغفار { إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عسى أَن يَهْدِيَنِي رَبّي لأقْرَبَ مِنْ هذا رَشَدًا } المشار إليه بقوله : { من هذا } هو نبأ أصحاب الكهف ، أي : قل يا محمد عسى أن يوفقني ربي لشيء أقرب من هذا النبأ من الآيات والدلائل الدالة على نبوّتي . قال الزجاج : عسى أن يعطيني ربي من الآيات والدلالات على النبوّة ما يكون أقرب في الرشد وأدلّ من قصة أصحاب الكهف ، وقد فعل الله به ذلك حيث آتاه من علم غيوب المرسلين وخبرهم ما كان أوضح في الحجة وأقرب إلى الرشد من خبر أصحاب الكهف ، وقيل : الإشارة إلى قوله : { واذكر ربَّكَ إِذَا نَسِيتَ } أي : عسى أن يهديني ربي عند هذا النسيان لشيء آخر بدل هذا المنسيّ ، وأقرب منه رشداً وأدنى منه خيراً ومنفعة ، والأوّل أولى .

/خ26