مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَلَا تَقُولَنَّ لِشَاْيۡءٍ إِنِّي فَاعِلٞ ذَٰلِكَ غَدًا} (23)

قوله تعالى :{ ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا ، إلا أن يشاء الله واذكر ربك إذا نسيت وقل عسى أن يهدين ربي لأقرب من هذا رشدا . ولبثوا في كهفهم ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعا . قل الله أعلم بما لبثوا له غيب السماوات والأرض أبصر به وأسمع ما لهم من دونه من ولي ولا يشرك في حكمه أحدا } اعلم أن في الآية مسائل :

المسألة الأولى : قال المفسرون إن القوم لما سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن المسائل الثلاثة ، قال عليه السلام أجيبكم عنها غدا ولم يقل إن شاء الله ، فاحتبس الوحي خمسة عشر يوما وفي رواية أخرى أربعين يوما ، ثم نزلت هذه الآية ، اعترض القاضي على هذا الكلام من وجهين . الأول : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عالما بأنه إذا أخبر عن أنه سيفعل الفعل الفلاني غدا فربما جاءته الوفاة قبل الغد ، وربما عاقه عائق آخر عن الإقدام على ذلك الفعل غدا ، وإذا كان كل هذه الأمور محتملا ، فلو لم يقل إن شاء الله ربما خرج الكلام مخالفا لما عليه الوجود وذلك يوجب التنفير عنه ، وعن كلامه عليه السلام ، أما إذا قال إن شاء الله كان محترزا عن هذا المحذور ، وإذا كان كذلك كان من البعيد أن يعد بشيء ولم يقل فيه إن شاء الله . الثاني : أن هذه الآية مشتملة على فوائد كثيرة وأحكام جمة فيبعد قصرها على هذا السبب ويمكن أن يجاب عن الأول : أنه لا نزاع أن الأولى أن يقول إن شاء الله إلا أنه ربما اتفق له أنه نسي هذا الكلام لسبب من الأسباب فكان ذلك من باب ترك الأولى والأفضل ، وأن يجاب عن الثاني أن اشتماله على الفوائد الكثيرة لا يمنع من أن يكون سبب نزوله واحدا منها .