{ وَ } لكن { اتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ } فإنه هو الهدى والرحمة ، وَارْجُ بذلك ثواب ربك ، فإنه بما تعملون خبير ، يجازيكم بحسب ما يعلمه منكم ، من الخير والشر .
فإن وقع في قلبك ، أنك إن لم تطعهم في أهوائهم المضلة ، حصل عليك منهم ضرر ، أو حصل نقص في هداية الخلق ، فادفع ذلك عن نفسك ، واستعمل ما يقاومه ويقاوم غيره ، وهو التوكل على اللّه ، بأن تعتمد على ربك ، اعتماد من لا يملك لنفسه ضرًا ولا نفعًا ، ولا موتًا ولا حياة ، ولا نشورًا ، في سلامتك من شرهم ، وفي إقامة الدين ، الذي أمرت به ، وثق باللّه في حصول ذلك الأمر على أي : حال كان .
وَاتّبِعْ ما يُوحَى إلَيْكَ مِنْ رَبّكَ يقول : واعمل بما ينزل الله عليك من وحيه ، وآي كتابه إنّ اللّهَ كانَ بمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرا يقول : إن الله بما تعمل به أنت وأصحابك من هذا القرآن ، وغير ذلك من أموركم وأمور عباده خبيرا أي ذا خبرة ، لا يخفى عليه من ذلك شيء ، وهو مجازيكم على ذلك بما وعدكم من الجزاء . وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله : وَاتّبِعْ ما يُوحَى إلَيْكَ مِنْ رَبّكَ قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة وَاتّبِعْ ما يُوحَى إلَيْكَ مِنْ رَبّكَ أي هذا القرآن إنّ اللّهَ كانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبيرا .
ثم أمره تعالى باتباع ما يوحى إليه وهو القرآن الحكيم والاقتصار على ذلك ، وقوله تعالى : { إن الله كان بما تعملون خبيراً } توعد ما ، وقرأ أبو عمرو وحده «يعملون » بالياء ، والتوعد على هذه القراءة للكافرين والمنافقين أبين ، وقوله { كان } في هاتين الآيتين هي التي تقتضي الدوام ، أي كان ويكون ، وليست الدالة على زمن مخصوص للمضي .
هذا تمهيد لما يرد من الوحي في شأن أحكام التبني وما يتصل بها ولذلك جيء بالفعل المضارع الصالح للاستقبال وجرد من علامة الاستقبال لأنه قريب من زمن الحال . والمقصود من الأمر باتباعه أنه أمر باتباع خاص تأكيد للأمر العام باتباع الوحي . وفيه إيذان بأن ما سيوحي إليه قريبا هو ما يشق عليه وعلى المسلمين من إبطال حكم التبني لأنهم ألفوه واستقر في عوائدهم وعاملوا المتبنين معاملة الأبناء الحق .
ولذلك ذيلت جملة ( واتبع ما أوحي إليك ) بجملة ( إن الله كان بما تعملون خبيرا ) تعليلا للأمر بالاتباع وتأنيسا به لأن الله خبير بما في عوائدكم ونفوسكم فإذا أبطل شيئا من ذلك فإن إبطاله من تعلق العلم بلزوم تغييره فلا تتريثوا في امتثال أمره في ذلك فجملة ( إن الله كان بما تعملون خبيرا ) في موقع العلة فلذلك فصلت لأن حرف التوكيد مغن غناء فاء التفريع كما مر آنفا
وفي إفراد الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم بقوله ( واتبع ) وجمعه بما يشمله وأمته في قوله ( بما تعملون ) إيماء إلى أن فيما سينزل من الوحي ما يشتمل على تكليف يشمل تغيير حالة كان النبي عليه الصلاة والسلام مشاركا لبعض الأمة في التلبس بها وهو حكم التبني إذ كان النبي متبنيا زيد بن حارثة من قبل بعثته .
وقرأ الجمهور ( بما تعملون ) بتاء الخطاب على خطاب النبي صلى الله عليه وسلم والأمة لأن هذا الأمر أعلق بالأمة . وقرأ أبو عمرو وحده ( بما يعملون ) بالمثناة التحتية على الغيبة على أنه راجع للناس كلهم شامل للمسلمين والكافرين والمنافقين ليفيد مع تعليل الأمر بالاتباع تعريضا بالمشركين والمنافقين بمحاسبة الله إياهم على ما يبيتونه من الكيد وكناية عن إطلاع الله رسوله على ما يعلم منهم في هذا الشأن كما سيجيء ( لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ) أي لنطلعنك على ما يكيدون به ونأذنك بافتضاح شأنهم
وهذا المعنى الحاصل من هذه القراءة لا يفوت في قراءة الجمهور بالخطاب لأن كل فريق من المخاطبين يأخذ حظه منه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.