{ وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ } أي : كان مقيما لأمر الله على أهله ، فيأمرهم بالصلاة المتضمنة للإخلاص للمعبود ، وبالزكاة المتضمنة للإحسان إلى العبيد ، فكمل نفسه ، وكمل غيره ، وخصوصا أخص الناس عنده وهم أهله ، لأنهم أحق بدعوته من غيرهم . { وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا } وذلك بسبب امتثاله لمراضي ربه واجتهاده فيما يرضيه ، ارتضاه الله وجعله من خواص عباده وأوليائه المقربين ، فرضي الله عنه ، ورضي [ هو ] عن ربه .
ثم وصفه الله - تعالى - بصفة كريمة ثالثة فقال : { وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بالصلاة والزكاة . . . } .
أى : وكان بجانب حرصه على أداء هاتين الفريضتين ، يأمر أهله وأقرب الناس إليه بالحرص على أدائهما حتى يكون هو وأهله قدوة لغيرهم فى العمل الصالح .
وكان النبى - صلى الله عليه وسلم - يفعل ذلك الذى أثنى الله به على نبيه إسماعيل استجابة لقوله - تعالى - : { وَأْمُرْ أَهْلَكَ بالصلاة واصطبر عَلَيْهَا . . . } قال الإمام ابن كثير : " وقد جاء فى الحديث عن أبى هريرة قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " رحم الله رجلاً قام من الليل فصلى وأيقظ امرأته ، فإن أبت نضح فى وجهها الماء رحم الله امرأة قامت من الليل فصلت وأيقظت زوجها فإن أبى نضحت فى وجهه الماء " .
وعن أبى سعيد عن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال : " إذا استيقظ الرجل من الليل وأيقظ امرأته فصليا ركعتين ، كتبا من الذاكرين الله كثيرا والذاكرات " .
ثم ختم - سبحانه - هذه الصفات الجميلة التى مدح بها نبيه إسماعيل فقال : { وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً } .
أى : وكان إسماعيل عند ربه مرضى الخصال ، لاستقامته فى أقواله وأفعاله ، وللصدق فى وعده ، ولأمره أهله بالصلاة والزكاة ، ولا شك أن من جمع هذه المناقب كان ممن رضى الله عنهم ورضوا عنه .
ثم ختم الله هذا الحديث عن بعض الأنبياء ، بذكر جانب من قصة إدريس - عليه السلام - فقال : { واذكر فِي الكتاب إِدْرِيسَ . . . } .
وقوله : { وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا } : هذا أيضًا من الثناء الجميل ، والصفة الحميدة ، والخلة السديدة{[18901]} ، حيث كان مثابرًا على طاعة ربه آمرًا بها لأهله{[18902]} ، كما قال تعالى لرسوله : { وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى } [ طه : 132 ] ، وقال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ } الآية [ التحريم : 6 ] أي : مروهم بالمعروف ، وانهوهم عن المنكر ، ولا تدعوهم هملا فتأكلهم النار يوم القيامة ، وقد جاء في الحديث ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " رحم الله رجلا قام من الليل فصلى ، وأيقظ امرأته ، فإن أبت نَضَح في وجهها الماء ، رحم الله امرأة قامت من الليل فصلت ، وأيقظت زوجها ، فإن أبى نضحت{[18903]} في وجهه الماء " أخرجه أبو داود ، وابن ماجه{[18904]} .
وعن أبي سعيد ، وأبي هريرة ، رضي الله عنهما ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا استيقظ الرجل من الليل وأيقظ امرأته ، فصليا ركعتين ، كتبا من الذاكرين الله كثيرًا والذاكرات " . رواه أبو داود ، والنسائي ، وابن ماجه ، واللفظ له{[18905]} .
لذلك قال الله تعالى : { وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة } ثم إن أمة العرب نشأت من ذريته فهم أهله أيضاً ، وقد كان من شريعته الصلاة والزكاة وشؤون الحنيفية ملة أبيه إبراهيم .
ورضى الله عنه : إنعامه عليه نعماً كثيرة ، إذ باركه وأنمى نسله وجعل أشرف الأنبياء من ذريته ، وجعل الشريعة العظمى على لسان رسول من ذريته .
وتقدم اختلاف القراء في قراءة نبيئاً بالهمز أو بالياء المشددة .
وتقدم توجيه الجمع بين وصف رسول ونبيء عند ذكر موسى عليه السلام آنفاً .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: وكانَ يأْمُرُ أهْلَهُ بِإقامة الصّلاةِ و إيتاء الزّكاةِ وكانَ عِنْدَ رَبّهِ مَرْضِيّا عمله، محمودا فيما كلفه ربه، غير مقصر في طاعته..
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة} أي قومه بالصلاة والزكاة، فإن كانت الصلاة هي الصلاة المعروفة، والزكاة الزكاة المعروفة، ففيه أنهما كانتا في الأمم الماضية. وإن كانت الدعاء والثناء وما به تزكو الأنفس وتصلح، فهو على جميع الخلائق ذلك، والله أعلم.
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
وكان يأمر أهله بالصلاة -بأمر الله إياه- وبالزكاة، ويشتمل هذه على أمره إياهم بالعبادة البدنية والمالية حيثما وكيفما كان. {وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً} وكان هذا أشرفَ خِصاله وأَجلَّ صفاته...
تفسير القرآن للسمعاني 489 هـ :
(وكان عند ربه مرضيا) أي: مختارا ومعناه: رضيه الله لنبوته ورسالته...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
كان يبدأ بأهله في الأمر بالصلاح والعبادة ليجعلهم قدوة لمن وراءهم، ولأنهم أولى من سائر الناس {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقربين} [الشعراء: 214]، {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بالصلاة} [طه: 132]، {قُواْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً} [التحريم: 6] ألا ترى أنهم أحق بالتصدّق عليهم؛ فالإحسان الديني أولى. وقيل: {أَهْلَهُ} أمته كلهم من القرابة وغيرهم؛ لأنّ أمم النبيين في عداد أهاليهم. وفيه أنّ من حق الصالح أن لا يألو نصحاً للأجانب فضلاً عن الأقارب والمتصلين به، وأن يحظيهم بالفوائد الدينية ولا يفرط في شيء من ذلك...
والظاهر أنه إذا قرنت الزكاة إلى الصلاة أن يراد بها الصدقات الواجبة وكان يعرف من خاصة أهله أن يلزمهم الزكاة فيأمرهم بذلك أو يأمرهم أن يتبرعوا بالصدقات على الفقراء...
{وكان عند ربه مرضيا} وهو في نهاية المدح لأن المرضي عند الله هو الفائز في كل طاعاته بأعلى الدرجات..
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :
هذا أيضًا من الثناء الجميل، والصفة الحميدة، والخلة السديدة، حيث كان مثابرًا على طاعة ربه آمرًا بها لأهله، كما قال تعالى لرسوله: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} [طه: 132]، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ} الآية [التحريم: 6] أي: مروهم بالمعروف، وانهوهم عن المنكر، ولا تدعوهم هملا فتأكلهم النار يوم القيامة، وقد جاء في الحديث، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"رحم الله رجلا قام من الليل فصلى، وأيقظ امرأته، فإن أبت نَضَح في وجهها الماء، رحم الله امرأة قامت من الليل فصلت، وأيقظت زوجها، فإن أبى نضحت في وجهه الماء" أخرجه أبو داود، وابن ماجه. وعن أبي سعيد، وأبي هريرة، رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا استيقظ الرجل من الليل وأيقظ امرأته، فصليا ركعتين، كتبا من الذاكرين الله كثيرًا والذاكرات". رواه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه، واللفظ له...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{وكان يأمر أهله بالصلاة} التي هي طهرة البدن وقرة العين وخير العون على جميع المآرب {والزكاة} التي هي طهرة المال، كما أوصى الله بذلك جميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وتقدم في هذه السورة أنه سبحانه وتعالى أوصى بذلك عيسى عليه السلام {وكان عند ربه} لعبادته على حسب ما أقامته ربوبيته {مرضياً} فاقتد أنت به فإنه من أجل آبائك، لتجمع بين طهارة القول والبدن والمال، فتنال رتبة الرضا...
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :
{وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ} أي: كان مقيما لأمر الله على أهله، فيأمرهم بالصلاة المتضمنة للإخلاص للمعبود، وبالزكاة المتضمنة للإحسان إلى العبيد، فكمل نفسه، وكمل غيره، وخصوصا أخص الناس عنده وهم أهله، لأنهم أحق بدعوته من غيرهم. {وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا} وذلك بسبب امتثاله لمراضي ربه واجتهاده فيما يرضيه، ارتضاه الله وجعله من خواص عباده وأوليائه المقربين، فرضي الله عنه، ورضي [هو] عن ربه...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
ويذكر السياق من أركان العقيدة التي جاء بها الصلاة والزكاة وكان يأمر بهما أهله.. ثم يثبت له أنه كان عند ربه مرضيا.. والرضى سمة من سمات هذه السورة البارزة في جوها وهي شبيهة بسمة الرحمة، وبينهما قرابة!...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
ثم إن أمة العرب نشأت من ذريته فهم أهله أيضاً، وقد كان من شريعته الصلاة والزكاة وشؤون الحنيفية ملة أبيه إبراهيم... ورضى الله عنه: إنعامه عليه نعماً كثيرة، إذ باركه وأنمى نسله وجعل أشرف الأنبياء من ذريته، وجعل الشريعة العظمى على لسان رسول من ذريته...
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
{وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاة} ليربطهم بالجانب الروحي، حيث يتمثل حضور الإنسان الفكري والشعوري والعبادي أمام الله عبر الصلاة، وبالجانب المادي عبر المسؤولية المادية تجاه الآخرين من المحرومين، في النطاق الذي ينفتح فيه الإنسان على الله ليعيش عبادة العطاء، كما يعيش عبادة الصلاة. {وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً} من خلال إيمانه الكبير وعمله الصالح، وجهاده القوي بين يدي الله.