قوله تعالى : { وأعتدنا للكافرين عذاباً مهيناً والذين آمنوا بالله ورسله } ، كلهم .
قوله تعالى : { ولم يفرقوا بين أحد منهم } ، يعني : بين الرسل ، وهم المؤمنون ، يقولون : لا نفرق بين أحد من رسله .
قوله تعالى : { أولئك سوف يؤتيهم أجورهم } بإيمانهم بالله ، وكتبه ، ورسله ، قرأ حفص عن عاصم { يؤتيهم } بالياء ، أي : يؤتيهم الله ، والباقون بالنون .
{ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ } وهذا يتضمن الإيمان بكل ما أخبر الله به عن نفسه وبكل ما جاءت به الرسل من الأخبار والأحكام . { وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ } من رسله ، بل آمنوا بهم كلهم ، فهذا هو الإيمان الحقيقي ، واليقين المبني على البرهان .
{ أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ } أي : جزاء إيمانهم وما ترتب عليه من عمل صالح ، وقول حسن ، وخلق جميل ، كُلٌّ على حسب حاله . ولعل هذا هو السر في إضافة الأجور إليهم ، { وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا } يغفر السيئات ويتقبل الحسنات .
أما المؤمنون الصادقون فقد بشرهم الله بقوله : { والذين آمَنُواْ بالله } حق الإِيمان وآمنوا { وَرُسُلِهِ } جميعا { وَلَمْ يُفَرِّقُواْ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ } أى : لم يفرقوا فى الإِيمان بين رسول ورسول بل آمنوا بهم جميعا .
{ أولئك } الذين استقر الإِيمان الكامل فى قلوبهم ، والذين وصفهم الله - تعالى - بتلك الأوصاف الحميدة { سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ } الله - تعالى - { أُجُورَهُمْ } التى وعدهم بها { وَكَانَ الله غَفُوراً رَّحِيماً } أى : وكان الله وما زال كثير المغفرة والرحمة لمن هذه صفاتهم ، وتلك نعوتهم .
والتعبير بسوف لتأكيد الأجر الذى وعدهم الله به ، وللدلالة على أنه كان لا محاولة وإن تراخى . وبذلك تكون الآيات الكريمة قد قابلت بين مصير الكافرين ومصير المؤمنين ؛ ليقلع الناس عن الكفر والمعاصى ، ويستجيبوا لأوامر الله لينالوا رضاه
وقوله : { وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ } يعني بذلك : أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، فإنهم يؤمنون بكل كتاب أنزله الله وبكل نبي بعثه الله ، كما قال تعالى : { آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ [ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ] {[8540]} } [ البقرة : 285 ] .
ثم أخبر تعالى بأنه قد أعد لهم الجزاء الجزيل والثواب الجليل والعطاء الجميل ، فقال : { أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ } على ما آمنوا بالله ورسله { وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا } أي : لذنوبهم أي : إن كان لبعضهم ذنوب .
{ والذين آمنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم } أضدادهم ومقابلوهم ، وإنما دخل بين على أحد وهو يقتضي متعددا لعمومه من حيث إنه وقع في سياق النفي . { أولئك سوف يؤتيهم أجورهم } الموعودة لهم وتصديره بسوف لتأكيد الوعد والدلالة على أنه كائن لا محالة وإن تأخر . وقرأ حفص عن عاصم وقالون عن يعقوب بالياء على تلوين الخطاب . { وكان الله غفورا } لما فرط منهم . { رحيما } عليهم بتضعيف حسناتهم .
لما ذكر الله تعالى أن المفرقين بين الرسل هم الكافرون حقاً ، عقب ذلك بذكر المؤمنين بالله ورسله جميعاً . وهم المؤمنون بمحمد عليه السلام ليصرح بوعد هؤلاء كما صرح بوعيد أولئك ، فبين الفرق بين المنزلتين ، وقرأ بعض السبعة «سوف يؤتيهم » بالياء أي يؤتيهم الله ، وقرأ الأكثر «سوف نؤتيهم » بالنون منهم ابن كثير ونافع وأبو عمرو .
جيء بجملة { والذين آمنوا بالله ورسله } إلى آخرها ؛ لمقابلة المسيئين بالمحسنين ، والنذارةِ بالبشارة على عادة القرآن . والمراد بالذين آمنوا المؤمنون كلّهم وخاصّة من آمنوا من أهل الكتاب كعبد الله بن سلام . فهم مقصودون ابتداء لما أشعر به موقع هذه الجملة بعد ذكر ضلالهم ولما اقتضاه تذييل الجملة بقوله : { وكان الله غفوراً رحيماً } أي غفوراً لهم ما سلف من كفرهم ، رحيماً بهم .
والقول في الإتيان بالموصول وباسم الإشارة في هذه الجملة كالقول في مقابله . وقوله : { بين أحد منهم } تقدّم الكلام على مثله في قوله تعالى : { لا نفرّق بين أحد منهم ونحن له مسلمون } في سورة البقرة ( 136 ) .
وقرأ الجمهور : { نؤتيهم } بنون العظمة . وقرأه حفص عن عاصم بياء الغائب والضمير عائد إلى اسم الجلالة في قوله : { والذين آمنوا بالله ورسله } .