التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦ وَلَمۡ يُفَرِّقُواْ بَيۡنَ أَحَدٖ مِّنۡهُمۡ أُوْلَـٰٓئِكَ سَوۡفَ يُؤۡتِيهِمۡ أُجُورَهُمۡۚ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورٗا رَّحِيمٗا} (152)

وقوله : ( والذين آمنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم أولئك سوف يؤتيهم أجورهم وكان الله غفورا رحيما ) المراد بذلك أمة محمد ( ص ) ، فقد آمنوا بالله خالقا عظيما مبدعا ، إلها ليس كمثله شيء وليس له من خلقه نديد أو شريك . وأمنوا كذلك بالنبيين والمرسلين جميعا دون استثناء ، يستوي في ذلك كليم الله موسى ، وهو من الرسل الأعاظم في بني إسرائيل ، ثم المسيح بن مريم كلمة الله ألقاها إلى العذراء البتول وحجة الله على الناس في هذه الدنيا ويوم الدين . لقد آمن المسلمون إيمانهم ولم يفرقوا بين أحد من رسل الله فلم يؤمنوا ببعض ويكفروا ببعض مثلما فعل أصحاب الديانات السالفة ، ولكنهم آمنوا بهم جميعا بغير تفريق .

هذه هي أمة الإسلام ، أمة النبي الخاتم محمد ( ص ) ، وهي خير الأمم بحق وجدارة لما يتجلى فيها من خصائص كبرى لم تتيسر لغيرها من الأمم من الغابرين . وهي خصائص تتبدى في اكتمال دينها بما يتسم من اتساع ومرونة وشمول يتناول أطراف الحياة كلها ، ويغطي حاجات الإنسان جميعها سواء في ذلك حاجات النفس أو البدن أو العقل أو الروح .

هذه هي أمة الإسلام التي تقوم على العقيدة المتينة المستنيرة ، وعلى الفكر العميق السليم والتصور السوي المستقيم بعيدا عن الهوى والتعصب الذميم فلا جرم أن تكون رائدة الأمم لتقود قوافل البشر عبر الأدهار والسنين إلى السعادة والسلامة والرخاء . ولا جرم أن يثيب الله هذه الأمة خير الثواب ، وأن يغفر لها الذنوب والخطايا برحمة منه وفضل{[850]} .


[850]:- روح المعاني جـ 6 ص 3-5، وتفسير القرطبي جـ 6 ص 5-6، وتفسير ابن كثير جـ 1 ص 571.