17- رب مشرقي الشمس في الصيف والشتاء ، ورب مغربيها فيهما{[212]} .
{ 17-18 } { رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ * فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ }
أي : هو تعالى رب كل ما أشرقت عليه الشمس والقمر ، والكواكب النيرة ، وكل ما غربت عليه ، [ وكل ما كانا فيه ] فهي تحت{[950]} تدبيره وربوبيته ، وثناهما هنا لإرادة العموم مشرقي الشمس شتاء وصيفا ، ومغربها كذلك{[951]} .
{ رَبُّ المشرقين وَرَبُّ المغربين فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } .
أى : هو - سبحانه - رب مشرق الشمس فى الشتاء والصيف ، ورب مغربها فيهما ، وفى هذا التدبير المحكم منافع عظمى للإنسان والحيوان والنبات .
ولا تعارض بين هذه الآية ، وبين قوله - تعالى - فى آية أخرى : { رَّبُّ المشرق والمغرب . . } لأن المراد بهما جنسهما ، فهما صادقان على كل مشرق من مشارق الشمس التى هى ثلاثمائة وستون مشرقا ، وعلى كل مغرب من مغاربها التى هى كذلك .
أو بين قوله - تعالى - فى آية ثالثة : { رَّبُّ السماوات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ المشارق } أى : ورب جميع المشارق التى تشرق منها الشمس فى كل يوم على مدار العام إذ لها فى كل يوم مشرق معين تشرق منه ، ولها فى كل يوم أيضا - مغرب تغرب فيه .
{ رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ } يعني : مشرقي الصيف والشتاء ، ومغربي الصيف والشتاء . وقال في الآية الأخرى : { فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ } [ المعارج : 40 ] ، وذلك باختلاف مطالع الشمس وتنقلها في كل يوم ، وبروزها منه إلى الناس . وقال في الآية الأخرى : { رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلا } [ المزمل : 9 ] . وهذا المراد منه جنس المشارق والمغارب ،
القول في تأويل قوله تعالى : { رَبّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبّ الْمَغْرِبَيْنِ * فَبِأَيّ آلآءِ رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ * مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ * بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاّ يَبْغِيَانِ * فَبِأَيّ آلآءِ رَبّكُمَا تِكَذّبَانِ } .
يقول تعالى ذكره : ذلكم أيها الثقلان رَبّ المَشْرِقَينِ يعني بالمشرقين : مشرق الشمس في الشتاء ، ومشرقها في الصيف .
وقوله : وَرَبّ المَغْرِبَينِ يعني : وربّ مغرب الشمس في الشتاء ، ومغربها في الصيف . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا يعقوب القمي ، عن جعفر ، عن ابن أبزى ، قوله : رَبّ المَشْرقَينِ وَرَبّ المَغْرِبَينِ قال : مشارق الصيف ومغارب الصيف ، مشرقان تجري فيهما الشمس ستون وثلاث مئة في ستين وثلاث مئة بُرْج ، لكلّ برج مطلع ، لا تطلع يومين من مكان واحد . وفي المغرب ستون وثلاث مئة برج ، لكل برج مغيب ، لا تغيب يومين في برج .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : رَبّ المَشْرِقَينِ وَرَبّ المَغْرِبَينِ قال : مشرق الشتاء ومغربه ، ومشرق الصيف ومغربه .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : رَبّ المَشْرِقَينِ وَرَبّ المَغْرِبَينِ فمشرقها في الشتاء ، ومشرقها في الصيف .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا محمد بن مروان ، قال : حدثنا أبو العوّام ، عن قتادة قوله : رَبّ المَشْرِقَينِ وَرَبّ المَغْرِبَينِ قال : مشرق الشتاء ومغربه ، ومشرق الصيف ومغربه .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : رَبّ المَشْرِقَينِ وَرَبّ المَغْرِبَينِ قال : أقصر مشرق في السنة ، وأطول مشرق في السنة وأقصر مغرب في السنة ، وأطول مغرب في السنة .
وخص ذكر { المشرقين والمغربين } بالتشريف في إضافة الرب إليهما لعظمهما في المخلوقات وأنهما طرفا آية عظيمة وعبرة وهي الشمس وجريها . وحكى النقاش أن { المشرقين } مشرقا الشمس والقمر ، { والمغربين } كذلك على ما في ذلك من العبر ، وكل متجه ، ومتى وقع ذكر المشرق والمغرب فهي إشارة إلى الناحيتين بجملتهما ، ومتى وقع ذكر المشارق والمغارب فهي إشارة إلى تفصيل مشرق كل يوم ومغربه ، ومتى ذكر المشرقان والمغربان ، فهي إشارة إلى نهايتي المشارق والمغارب ، لأن ذكر نهايتي الشيء ذكر لجميعه . قال مجاهد : هو مشرق الصيف ومغربه ، ومشرق الشتاء ومغربه .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: ذلكم أيها الثقلان" رَبّ المَشْرِقَينِ "يعني بالمشرقين: مشرق الشمس في الشتاء، ومشرقها في الصيف.
وقوله: "وَرَبّ المَغْرِبَينِ" يعني: وربّ مغرب الشمس في الشتاء، ومغربها في الصيف... قال: قال ابن زيد، في قوله: "رَبّ المَشْرِقَينِ وَرَبّ المَغْرِبَينِ" قال: أقصر مشرق في السنة، وأطول مشرق في السنة وأقصر مغرب في السنة، وأطول مغرب في السنة.
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
ووجه النعمة في ذلك جريانهما على ترتيب واحدٍ حتى يكمل انتفاع الخَلْقِ بهما.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
وخص ذكر {المشرقين والمغربين} بالتشريف في إضافة الرب إليهما لعظمهما في المخلوقات وأنهما طرفا آية عظيمة وعبرة وهي الشمس وجريها.ومتى وقع ذكر المشرق والمغرب فهي إشارة إلى الناحيتين بجملتهما، ومتى وقع ذكر المشارق والمغارب فهي إشارة إلى تفصيل مشرق كل يوم ومغربه، ومتى ذكر المشرقان والمغربان، فهي إشارة إلى نهايتي المشارق والمغارب، لأن ذكر نهايتي الشيء ذكر لجميعه.
{رب المشرقين ورب المغربين، فبأي آلاء ربكما تكذبان} وفيه وجوه؛
أولها مشرق الشمس والقمر ومغربهما، والبيان حينئذ في حكم إعادة ما سبق مع زيادة، لأنه تعالى لما قال: {الشمس والقمر بحسبان} دل على أن لهما مشرقين ومغربين، ولما ذكر: {خلق الإنسان علمه البيان} دل على أنه مخلوق من شيء فبين أنه الصلصال.
الثاني: مشرق الشتاء ومشرق الصيف.
فإن قيل: ما الحكمة في اختصاصهما مع أن كل يوم من ستة أشهر للشمس مشرق ومغرب يخالف بعضها البعض؟
نقول: غاية انحطاط الشمس في الشتاء وغاية ارتفاعها في الصيف والإشارة إلى الطرفين تتناول ما بينهما...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
وتثنية المشرقين والمغربين باعتبار أن الشمس تطلع في فصلي الشتاء والربيع من سمت وفي فصلي الصيف والخريف من سمت آخر وبمراعاة وقت الطول ووقت القصر وكذلك غروبها وهي فيما بين هذين المشرقين والمغربين ينتقل طلوعها وغروبها في درجات متقاربة فقد يعتبر ذلك فيقال: المشارق والمغارب كما في قوله تعالى: {فلا أقسم برب المشارق والمغارب إنّا لقادرون} في سورة المعارج (40). ومن زعم أن تثنية المشرقين لمراعاة مشرق الشمس والقمر وكذلك تثنية المغربين لم يغص على معنى كبير. وعلى ما فسّر به الجمهور {المشرقين} و {المغربين} بمشرقي الشمس ومغربيها فالمراد ب {المشرقين} النصف الشرقي من الأرض، وب {المغربين} النصف الغربي منها. وربوبية الله تعالى للمشرقين والمغربين بمعنى الخلق والتصرف.
التفسير الحديث لدروزة 1404 هـ :
قال بعضهم: إن عبارة المشرقين والمغربين تعني ما هو معروف اليوم من أن الشمس تشرق على نصف الكرة الغربي في حين تغرب عن نصفها الشرقي وتشرق على نصف الكرة الشرقي في حين تغربي على نصفها الغربي. واعتبروها دليلا قرآنيا على هذا الناموس الكوني أو أرادوا أن يستخرجوا هذا الناموس من النصّ القرآني. ونحن نرى في هذا تمحّلا وتجوّزا وخروجا بالقرآن عن نطاق هدفه الهادي المنبّه إلى بديع كون الله ونواميسه مما يقع تحت مشاهدة الناس وحسب. ومما يمكن أن يورد على المتجوزين والمتمحّلين أن هذا كان سرّا خافيا عن البشر في وقت نزول القرآن لأنه إنما عرف بعد اكتشاف أميركا في القرن التاسع الهجري أو القرن الخامس عشر الميلادي. ولا يجوز أن يدّعي أحد أن هذا السرّ الذي كان من جملة نواميس الكون الجارية كان مغيّبا عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يرو أحد أن النبي قال هذا السرّ لأحد من أصحابه ولا يجوز لأحد أن يدّعي أن النبي كتمه عنهم؛ لأن كل هذا مناقض للقرآن الذي يقول فيما يقول {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ {44}} [النحل: 44] {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ {89}} [النحل: 89].