التفسير الحديث لدروزة - دروزة  
{رَبُّ ٱلۡمَشۡرِقَيۡنِ وَرَبُّ ٱلۡمَغۡرِبَيۡنِ} (17)

رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ { 17 } فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ { 18 }

والآيتان استمرار للسياق وبأسلوب تقريري عام كسابقاتهما أيضا . وقد قال المفسرون {[2105]} فيما قالوه : إن القصد من المشرقين والمغربين مشرقا الشمس ومغرباها ، ومشرقا القمر ومغرباه في الشتاء والصيف ، أو مشرقاهما ومغرباهما إطلاقا . وعلى كل حال فالقصد على ما هو المتبادر لفت نظر السامعين إلى ما يرونه من دقة سير كل من الشمس والقمر شروقا وغروبا وما في ذلك من مشاهد قدرة الله وبديع صنعه . ولقد قال بعضهم : إن عبارة المشرقين والمغربين تعني ما هو معروف اليوم من أن الشمس تشرق على نصف الكرة الغربي في حين تغرب عن نصفها الشرقي وتشرق على نصف الكرة الشرقي في حين تغربي على نصفها الغربي . واعتبروها دليلا قرآنيا على هذا الناموس الكوني أو أرادوا أن يستخرجوا هذا الناموس من النصّ القرآني .

ونحن نرى في هذا تمحّلا وتجوّزا وخروجا بالقرآن عن نطاق هدفه الهادي المنبّه إلى بديع كون الله ونواميسه مما يقع تحت مشاهدة الناس وحسب . ومما يمكن أن يورد على المتجوزين والمتمحّلين أن هذا كان سرّا خافيا عن البشر في وقت نزول القرآن لأنه إنما عرف بعد اكتشاف أميركا في القرن التاسع الهجري أو القرن الخامس عشر الميلادي . ولا يجوز أن يدّعي أحد أن هذا السرّ الذي كان من جملة نواميس الكون الجارية كان مغيّبا عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم يرو أحد أن النبي قال هذا السرّ لأحد من أصحابه ولا يجوز لأحد أن يدّعي أن النبي كتمه عنهم ؛ لأن كل هذا مناقض للقرآن الذي يقول فيما يقول { وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ { 44 } } [ النحل : 44 ] { وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ { 89 } } [ النحل : 89 ] .


[2105]:انظر تفسير البغوي وابن كثير والطبرسي والكشاف