{ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ } أي : ما هذا كلام الله ، بل كلام البشر ، وليس أيضا كلام البشر الأخيار ، بل كلام الفجار منهم والأشرار ، من كل كاذب سحار .
فتبا له ، ما أبعده من الصواب ، وأحراه بالخسارة والتباب ! !
كيف يدور في الأذهان ، أو يتصوره ضمير كل إنسان ، أن يكون أعلى الكلام وأعظمه ، كلام الرب العظيم ، الماجد الكريم ، يشبه كلام المخلوقين الفقراء الناقصين ؟ !
أم كيف يتجرأ هذا الكاذب العنيد ، على وصفه كلام المبدئ المعيد{[1284]} .
فما حقه إلا العذاب الشديد والنكال ، ولهذا قال تعالى : { سَأُصْلِيهِ سَقَرَ وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ }
{ فقال } - على سبيل الغرور والجحود - { فَقَالَ إِنْ هاذآ إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ } أى : ما هذا القرآن الذى يقرؤه محمد صلى الله عليه وسلم علينا ، إلا سحر مأثور أى : مروى عن الأقدمين ، ومنقول من أقوالهم وكلامهم .
وجملة { إِنْ هاذآ إِلاَّ قَوْلُ البشر } بدل مما قبلها ، أى : ما هذا القرآن إلا سحر مأثور عن السابقين ، فهو من كلام البشر ، وليس من كلام الله - تعالى - كما يقول محمد صلى الله عليه وسلم .
قال صاحب الكشاف : فإن قلت : ما معنى " ثم " الداخلة فى تكرير الدعاء ؟ قلت : الدالة على أن الكرة الثانية أبلغ من الأولى ، ونحوه قوله : ألا يا اسلَمِى ثم اسلَمِى ، ثُمَّتَ اسلمِى .
فإن قلت : ما معنى المتوسطة بين الأفعال التى بعدها ؟ قلت : الدلالة على أنه قد تأتى فى التأمل والتمهل ، وكأن بين الأفعال المتناسقة تراخيا وتباعدا . .
فإن قلت : فلم قيل : { فَقَالَ إِنْ هاذآ . . . } بالفاء بعد عطف ما قبله بثم ؟ قلت : لأن الكلمة لما خطرت بباله بعد التطلب ، لم يتمالك أن نطق بها من غير تلبث .
فإن قلت : فلم لم يوسط حرف العطف بين الجملتين ؟ قلت : لأن الأخرى جرت من الأولى مجرى التوكيد من المؤكد .
ثم بين - سبحانه - بعد ذلك الوعيد الشديد الذى توعد به هذا الشقى الأثيم فقال : { سَأُصْلِيهِ سَقَرَ }
وقوله : ثُمّ أدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ يقول تعالى ذكره : ثم ولى عن الإيمان والتصديق بما أنزل الله من كتابه ، واستكبر عن الإقرار بالحقّ فقال إنْ هَذَا إلاّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ قال : يأثره عن غيره . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن إسماعيل بن سميع ، عن أبي رزين إنْ هَذَا إلاّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ قال : يأخذه عن غيره .
حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن إسماعيل ، عن أبي رزين إنْ هَذَا إلاّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ قال : يأثره عن غيره .
وقال هذا سحر ، و { يؤثر } معناه يروى ويحمل{[11426]} ، أي يحمله محمد عن غيره ، وعلى التأويل أن الدعاء عليه دعاء على مستقبح فعله يجيء قوله { ثم نظر } معناه معاداً بعينه لأن { فكر وقدر } يقتضيه{[11427]} لكنه إخبار بترديده النظر في الأمر ، وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا الوليد فقال له : «انظر وفكر فلما فكر قال ما تقدم » .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يؤثره عن غيره. عن أبي رزين" إنْ هَذَا إلاّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ "قال: يأخذه عن غيره.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
أي هذا الذي أتى به محمد مما يؤثر من أفعال السحر، ولكن قال هذا على علم منه أنه ليس بسحر.
الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي 427 هـ :
النكت و العيون للماوردي 450 هـ :
...معناه أن النفوس تؤثره لحلاوته فيها كالسحر.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
فإن قلت: فلم قيل {فَقَالَ إِنْ هذا} بالفاء بعد عطف ما قبله بثم؟ قلت: لأن الكلمة لما خطرت بباله بعد التطلب لم يتمالك أن نطق بها من غير تلبث.
{فقال إن هذا إلا سحر يؤثر} وإنما ذكره بفاء التعقيب ليعلم أنه لما ولى واستكبر ذكر هذه الشبهة، وفي قوله: {يؤثر} وجهان:
(الأول) أنه من قولهم أثرت الحديث آثره أثرا إذا حدثت به عن قوم في آثارهم، أي بعدما ماتوا هذا هو الأصل، ثم صار بمعنى الرواية عمن كان.
(والثاني) يؤثر على جميع السحر، وعلى هذا يكون هو من الإيثار.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
وصيغة الحصر في قوله: إِنْ هذا إلاّ سحر يؤثر} مشعرة بأن استقراء أحوال القرآن بعد السَبر والتقسيم أنتج له أنه من قبيل السحر، فهو قصر تعيين لأحد الأقوال التي جالت في نفسه لأنه قال: ما هو بكلام شاعر ولا بكلام كاهن ولا بكلام مجنون، كما تقدم في خبره.
ووصَف هذا السحر بأنه مأثُور، أي مروي عن الأقدمين، يقول هذا ليدفع به اعتراضاً يرد عليه أن أقوال السحرة وأعمالهم ليست مماثلة للقرآن ولا لأحوال الرسول فزعم أنه أقوال سحرية غير مألوفة.