الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{فَقَالَ إِنۡ هَٰذَآ إِلَّا سِحۡرٞ يُؤۡثَرُ} (24)

قال عكرمة : جاء الوليد بن المغيرة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقرأ عليه النبي القرآن ، فكأنه رقّ له ، فبلغ ذلك أبا جهل . فأتاه فقال : أي عمّ ، إن قومك يريدون أن يجمعوا لك مالا . قال : لِم ؟ قال : يعطونك {[71444]} ! فإنك أتيت محمدا تتعرض لما قِبَلَه {[71445]} . قال : قد علمت قريش أني أكثرها مالا ! قال : فقل فيه قولا يعلم قومك أنك مُنْكِرٌ [ لما قال ] {[71446]} ، وأنك كاره له ، قال : فماذا أقول فيه ؟ فو الله ما منكم رجل أعلم مني بالأشعار {[71447]} ولا أعلم برجزه {[71448]} ولا يقصده {[71449]} ، ولا بأشعار الجن ، و ( الله ) {[71450]} لا يشبه الذي يقول شيئا من هذا ، والله إنّ لقوله الذي يقول لحلاوة ! وإنه ليحطم {[71451]} ما تحته ! وإنه ليعلو وما يعلى ! قال أبو جهل : والله لا يرضى قومك حتى تقول فيه . قال : فدعني حتى أفكر فيه . ( فلما فكر فيه ) {[71452]} قال {[71453]} : هذا سحر يأثره {[71454]} [ عن ] {[71455]} غيره ، فنزلت : ( ذرني ومن خلقت وحيدا ) {[71456]} .

قال ابن عباس : دخل الوليد بن المغيرة على أبي بكر يسأله عن القرآن ، فلما أخبره خرج على قريش فقال : يا عجبا لما يقول ابن كبشة {[71457]} ! فوالله ، ما هو بشعر ولا بسحر ولا [ بهذي ] {[71458]} من جنون ، وإنه لمن كلام الله- جل وعز- فلما سمع بذلك النفر ( من قريش ) {[71459]} [ ائتمروا ] {[71460]} بينهم ، وقالوا : والله لئن صبأ {[71461]} الوليد لتصْبُؤَنَ قريش ، فلما سمع بذلك أبو جهل بن هشام قال : أنا والله أكفيكم شأنه . فانطلق حتى دخل عليه بيته ، فقال : [ ألم تر ] {[71462]} قومك قد جمعوا لك {[71463]} الصدقة ؟ ! قال {[71464]} : ألست أكثرهم مالا وولدا ؟ ! فقال له أبو جهل : يتحدثون أنك تدخل على ابن أبي قحافة لتصيب من طعامه ! قال الوليد : [ أقد ] {[71465]} تحدثت بذلك عشيرتي ؟ ! {[71466]} فلا وأَيْمُ {[71467]} جابر بن قصي : لا أقرب أبا بكر ( ولا عمر ) {[71468]} ولا ابن أبي كبشة ، [ وما قوله إلا سحر ] {[71469]} يؤثر . فأنزل الله ( ذرني ومن خلقت وحيدا . . . ) إلى قوله ( لا تبقي و ( لا ) {[71470]} تذر ) {[71471]} .

قال قتادة : ذكر أنه قال : والله ، لقد نظرت [ فيما قال هذا الرجل ] {[71472]} ، [ فإذا ] {[71473]} هو ليس بشعر ، وإن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة {[71474]} ، وإنه ليعلو وما يعلى ، وما أشك أنه سحر {[71475]} . وقال الضحاك : دعاه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام ، فقال : حتى أنظر ! ففكر {[71476]} ، ثم عبس وبسر ، ثم أدبر واستكبر ، فقال : إن هذا إلا سحر يؤثر ، فجعل الله له سقر {[71477]} . قال أبو رزين {[71478]} ( سحر ) {[71479]} ( أي ) {[71480]} : يأثره من غيره {[71481]} .


[71444]:- ث: يعطونكه.
[71445]:- يقال "قَبَلاً، قُبُلاً، قُبَلاً وقِبَلاً وقَبَلِيًّا وقَبِيلا أي: مُقَابَلَةً وعياناً لا من وراء حجاب" انظر اللسان (قبل).
[71446]:- م: له قال.
[71447]:- أ: بالأشعار ومني.
[71448]:- الرَّجز بحر من بحور الشعر، معروف، ونوع من أنواعه يكون كل مصراع منه مفردا وتسمى قصائده أراجيز، واحدته أرجوزة، وهي كهيئة السجع إلا أنه في وزن الشعر، انظر اللسان (رجز).
[71449]:- القصيد من الشعر ما تمّ شطر أبياته، سمي بذلك لكماله وصحة وزنه انظر اللسان (قصد).
[71450]:- ساقط من ث.
[71451]:- يحطم: يدوس ويكسر. انظر النهاية لابن الأثير 1/403 واللسان (حطم).
[71452]:- ساقط من أ.
[71453]:- أ: فقال.
[71454]:- يقال: "أثر الحديث عن القوم يأثُره ويأثِره أثْراً وأثَارَةً وأَثْرَةً أي أنبأهم بما سُبِقُوا فيه من الأثَرِ". انظر اللسان (أثر).
[71455]:- م: من.
[71456]:- انظر جامع البيان 29/156 والدر 8/330 فيهما عن عكرمة. وهو حديث مرسل وانظر –في قصة الوليد مع القرآن-: السيرة لابن هشام 1/288 وتفسير ابن كثير 4/472 وفتح القدير 5/329.
[71457]:- ابن أبي كبشة لقب كان المشركون يقولونه لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ذكر صاحب اللسان (كبش) أقوالا في سبب ذلك وانظر المحبر: 129.
[71458]:- م: هزي (تحريف) يقال: "هذِيَ يهذِي هَذْياً وهَذَيًا وهذَياناً: تكلّم بكلام غير معقول في مرض أو غيره، وهذى إذا هذر بالكلام لا يُفهم وهذى به: ذكره في هُذَائِهِ، والاسم من ذلك الهُذَاء" اللسان (هذي). ولفظ "الهَذْيِ" ورد في جامع البيان 29/156 ولفظ الهُذَاءِ" في الدلائل لأبي نعيم: 233.
[71459]:- ساقط من أ.
[71460]:- م: ايتمولوا، ب: التمروا.
[71461]:- يقال: "صَبأَ يصْبَأُ صُبُوءاً، وصَبُؤَ يصبُؤُ صَبْأً وصُبوءاً، كلاهما: خرج من دين إلى دين آخر كما تصبأ النجوم أي تخرج من مطالعها" اللسان (صبأ).
[71462]:- م: الم ترى.
[71463]:- ث: اجتمعوا الذا.
[71464]:- أ: فقال.
[71465]:- م: نقد، أ: قد.
[71466]:- أ: عشيرتي بذلك. وفي جامع البيان 29/157: "أقد تحدثت به عشيرتي".
[71467]:- أ: فله واسم.
[71468]:- ساقط من أ.
[71469]:- م: وأما الا سحر.
[71470]:- منطمس في أ.
[71471]:- انظر جامع البيان 29/156-57 وهذا الحديث عن ابن عباس أخرجه –أيضا- أبو نعيم في الدلائل ص 233، ح: 184 بلفظ قريب جدا إلا أن في آخره: "فلا أقرب أبا بكر ولا عمر".
[71472]:- م: في مال يقول، وسقط منها قوله: "هذا الرجل".
[71473]:- م: وإذا.
[71474]:- أي: "رونقا وحسنا، وقد تُفتح الطّاء" النهاية لابن الأثير 3/137. واللسان (طلى).
[71475]:- انظر جامع البيان 29/157.
[71476]:- أ: حتى أنظر وأتفكر.
[71477]:- انظر جامع البيان 29/157.
[71478]:- أ: أبو زيد.
[71479]:- ساقط من أ.
[71480]:- ساقط من أ.
[71481]:- انظر المصدر السابق 29/158 والدر 8/158.