5- هو - وحده - خالق السماوات والأرض وما بينهما ، ومدبِّر الأمر ، ومالك المشارق لكل ما له مشرق{[196]} .
قوله تعالى : { رب السموات والأرض وما بينهما ورب المشارق } أي : مطالع الشمس . فإن قيل : قد قال في موضع { رب المشارق والمغارب } وقال في موضع : { رب المشرقين ورب المغربين } وقال في موضع : { رب المشرق والمغرب } فكيف وجه التوفيق بين هذه الآيات ؟ قيل : أما قوله{ رب المشرق والمغرب } أراد به جهة المشرق وجهة المغرب ، وقوله{ رب المشرقين ورب المغربين } أراد مشرق الشتاء ومشرق الصيف ، وأراد بالمغربين مغرب الشتاء ومغرب الصيف ، وقوله : { برب المشارق والمغارب } أراد الله تعالى أنه خلق للشمس ثلاثمائة وستين كوة في المشرق ، وثلاثمائة وستين في المغرب ، على عدد أيام السنة ، تطلع الشمس كل يوم من كوة منها ، وتغرب في كوة منها ، لا ترجع إلى الكوة التي تطلع الشمس منها من ذلك اليوم إلى العام المقبل ، فهي المشارق والمغارب ، وقيل : كل موضع أشرقت عليه الشمس فهو مشرق ، وكل موضع غربت عليه الشمس فهو مغرب . كأنه أراد رب جميع ما أشرقت عليه الشمس وغربت .
{ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ } أي : هو الخالق لهذه المخلوقات ، والرازق لها ، المدبر لها ، . فكما أنه لا شريك له في ربوبيته إياها ، فكذلك لا شريك له في ألوهيته ، . وكثيرا ما يقرر تعالى توحيد الإلهية بتوحيد الربوبية ، لأنه دال عليه . وقد أقر به أيضا المشركون في العبادة ، فيلزمهم بما{[759]} أقروا به على ما أنكروه .
وقوله : { رَّبُّ السماوات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ المشارق } بدل من قوله { لواحد } أو خبر بعد خبر لمبتدأ محذوف .
أى : إن إلهكم - أيها الناس - لواحد : هو - سبحانه - رب السموات والأرض ، ورب ما بينهما من مخلوقات كالهواء وغيره ، ورب المشارق التى تشرق منها الشمس فى كل يوم على مدار العام ، إذ لها فى كل يوم مشرق معين تشرق منه . ولها فى كل يوم - أيضا مغرب تغرب فيه .
واكتفى هنا بذكر المشارق والمغارب ، لأن كل واحد منهما يستلزم الآخر ، ولأن الشروق أدل على القدرة ، وأبلغ فى النعمة ، ولأن الشروق سابق على الغروب ، وقد قال - تعالى - فى آية أخرى : { رَّبُّ المشرق والمغرب لاَ إله إِلاَّ هُوَ فاتخذه وَكِيلاً } والمراد بهما هنا جنسهما ، فهما صادقان على كل مشرق من مشارق الشمس التى هى ثلاثمائة وستون مشرقا - كما يقول العلماء - وعلى كل مغرب من مغاربها التى هى كذلك .
وقال فى سورة الرحمن : { رَبُّ المشرقين وَرَبُّ المغربين } أى : مشرق الشتاء ومشرق الصيف ومغربهما ، أو مشرق الشمس والقمر ومغربهما .
وبذلك يتبين أنه لا تعارض بين مجئ هذه الألفاظ تارة مفردة ، وتارة على سبيل التثنية وتارة على سبيل الجمع .
قال بعض العلماء : قوله { وَرَبُّ المشارق } أى : ولكل نجم مشرق ، ولكل كوكب مشرق فهى مشارق كثيرة فى كل جانب من جوانب السموات الفسيحة .
وللتعبير دلالة أخرى دقيقة فى التعبير عن الواقع فى هذه الأرض التى نعيش عليها كذلك ، فالأرض فى دورتها أمام الشمس تتوالى المشارق على بقاعها المختلفة - كما تتوالى المغارب ، فكلما جاء قطاع منها أمام الشمس ، كان هناك مشرق على هذا القطاع .
وكان هناك مغرب على القطاع المقابل له فى الكرة الأرضية . . وهى حقيقة ما كان يعرفها الناس فى زمان نزول القرآن الكريمن أخبرهم الله - تعالى - بها فى ذلك الزمان القديم . .
{ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا } أي : من المخلوقات ، { وَرَبُّ الْمَشَارِقِ } أي : هو المالك المتصرف في الخلق بتسخيره بما فيه من كواكب{[24915]} ثوابت ، وسيارات تبدو من المشرق ، وتغرب من المغرب . واكتفى بذكر المشارق عن المغارب لدلالتها عليه . وقد صرح بذلك في قوله : { فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ } [ المعارج : 40 ] . وقال في الآية الأخرى : { رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ } [ الرحمن : 17 ] يعني في الشتاء والصيف ، للشمس والقمر .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.