الآية 5 فقال : { رب السماوات والأرض وما بينهما ورب المشرق } يخبر عن وحدانيته وتفرّده حين{[17610]} أنشأ السماوات ، وما ذكر ، وجعل منافع السماء متصلة بمنافع الأرض على بُعد ما بينهما ، ومنافع المشارق متصلة بمنافع المغارب على بعد ما بينهما .
ولو كان فعل عدد لمنع بعض اتصال منافع بعض ببعض على ما يكون من فعل ذوي عدد وغلبة بعض على بعض . فإذ لم يمتنع ذلك ، بل اتصل بعض ببعض دل أنه فعل واحد ، لا شريك له .
ثم تخصيص ذكر السماوات والأرض وما ذكر دون غيره من الخلائق لما عظّم قدر السماء في قلوبهم لنزول ما ينزل من الأمطار والبركات وغيرها ، [ وعظّم قدر ]{[17611]} الأرض بخروج ما يخرج منها من الأنزال والأرزاق ، ولذلك يخرّج ذكرهما ، والله أعلم ، في ما ذكر حين{[17612]} قال فيهما : { ما دامت السماوات والأرض } [ هود : 107 ] يعظّم قدرهما في قلوبهم ودوامهما عندهم{[17613]} ، وإن كانت تفنيان ، ولا تدومان أبدا ، والله أعلم .
ثم قوله تعالى : { رب السماوات والأرض وما بينهما } قال أحد{[17614]} المعتزلة ، وهو جعفر بن حرب : فإن قال لنا قائل : [ إن المراد ]{[17615]} من قوله عز وجل : { رب السماوات والأرض وما بينهما } أنه رب أعمالنا وأفعالنا ، فنقول{[17616]} له : إن أردت أنه رب أعمالنا وأفعالنا فبلى .
ثم قال : فيقال لهم : أتقولون : إنه خالق الكفر وخالق الشر ، وإن كان يقال في الجملة : [ إنه ]{[17617]} خالق أفعال الخلق ، ورب كل شيء ، وخالق كل شيء ، لأن ذكره يخرّج على تعظيم ذلك الشيء نحو ما يقال : رب محمد ، ، ورب البيت ، إنما هو تعظيم محمد صلى الله عليه وسلم ، وتعظيم ذلك البيت خاصة .
فعلى ذلك وصفنا إياه بالجملة : أنه خالق أفعال العباد وخالق كل شيء ، يخرّج على وصف البيت بالعظمة والجلال وعلى الإشارة [ إلى شيء من الأشياء والتنصيص عليه ]{[17618]} على تعظيم ذلك الشيء خاصة .
لذلك جاز أن يوصف أنه خالق أفعال العباد لما ذكرنا أنه يخرّج على المدح والتعظيم وعلى الإشارة على المذمّة له وتعظيم ذمّ ذلك الشيء . لذلك افترقا . والله الموفّق .
ثم يقال لهم : قولكم : إنه مالك لها ، وليس بخالق ، هل يقال لأحد : إنه مالك كذا ، وما ينشئ ذلك ، أو لم{[17619]} يملّكه ؟
فإن ثبت أنه مالك الأعمال والأفعال ثبت أنه خالقها ، إذ لا يقال : [ مالك ]{[17620]} كذا إلا [ لقدرته ]{[17621]} على ذلك أو لما ذكرنا ، والله أعلم .
وقوله تعالى : { ورب المشرق } قال بعض أهل التأويل : إن للشمس ثلاث مئة وستين مشرقا ، تطلع كل يوم من كوّة . وكذلك يقولون في المغارب : إنها تغرب كل يوم في كوّة . لكن يشبه أن يكون أراد بالمشارق والمغارب كل شيء يشرق وكل شيء غارب بين الشمس والقمر والنجوم والكواكب [ وعلى ذلك ]{[17622]} يخرّج قوله : { رب المشرقين ورب المغربين } [ الرحمان : 17 ] .
وأما أهل التأويل فإنهم يقولون : مشرق [ الشتاء ]{[17623]} والصيف ، وكذل مغربهما .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.