{ إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ } جواب القسم أي : أقسم الله بهذه الأقسام أنه واحد ليس له شريك وأجاز الكسائي : فتح إن الواقعة في جواب القسم وإنما أقسم بهذه الأشياء للتنبيه على شرف ذواتها وكمال مراتبها ، والرد على عبدة الأصنام في قولهم ، وللتأكيد لما تقدم لاسيما والقرآن أنزل بلغة العرب ، وإثبات المطالب بالحلف واليمين وطريقة مألوفة عندهم ، قال ابن الأنباري : الوقف على ( لواحد ) وقف حسن ثم يبتدئ { رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ } على معنى هو ربهما ، وقيل : غير ذلك ، والمعنى في الآية : إن وجود هذه المخلوقات على هذا الشكل البديع من أوضح الدلائل على وجود الصانع وقدرته وأنه رب ذلك كله ، أي خالقه ومالكه .
{ وَمَا بَيْنَهُمَا } أي من المخلوقات والكائنات .
{ وَرَبُّ الْمَشَارِقِ } أعاد الرب فيها لما فيها من غاية ظهور آثار الربوبية وتجددها كل يوم ، قيل : أراد مشارق الكواكب ، والظاهر أنها مشارق الشمس ، قيل : إن الله خلق للشمس كل يوم مشرقا ومغربا بعدد أيام السنة تطلع كل يوم من واحد منها ، وتغرب في واحد ، كذا قال ابن الأنباري وابن عبد البر ، وأما قوله في سورة الرحمن { رب المشرقين ورب المغربين } فالمراد بالمشرقين أقصى مطلع تطلع منه الشمس في الأيام الطوال ، وأقصر يوم في الأيام القصار ، وكذلك في المغربين .
وأما ذكر المشرق والمغرب بالإفراد فالمراد بهما الجهة التي تشرق منها الشمس والجهة التي تغرب فيها ، واقتصر على المشارق اكتفاء على حد : { سرابيل تقيكم الحر } أي والمغارب للشمس ، ولم يعكس لأن شروق الشمس سابق على غروبها ، وأيضا فالشروق أبلغ في النعمة وأكثر نفعا من الغروب ، فذكر المشرق تنبيها على كثرة إحسان الله تعالى على عباده ، ولهذه الدقيقة استدل إبراهيم عليه السلام بالمشرق فقال : { إن الله يأتي بالشمس من المشرق } .
قال الكرخي : وجمع هنا المشرق وحذف مقابله وثناه في الرحمن وجمعه في المعارج وأفراده في المزمل مع ذكر مقابله في الثلاثة لأن القرآن نزل على المعهود من أساليب كلام العرب وفنونه ، ومنها الإجمال والتفصيل والذكر والحذف والتثنية والجمع ، والإفراد باعتبارات مختلفة ، فأفرد وأجمل في المزمل أراد مشرق الصيف والشتاء ومغربهما ، وجمع وفصل في المعارج ، أراد جميع مشارق السنة ومغاربها ، وهي تزيد على سبعمائة ، وثنى وفصل في الرحمن أراد مشرقي الصيف والشتاء ومغربيهما ، وجمع وحذف هنا أراد جميع مشارق السنة ، واقتصر عليه لدلالته على المحذوف كما مرت الإشارة إليه ، وخص ما هنا بالجمع موافقة للجموع أول السورة ، وبالحذف مناسبة للزينة إذ هي إنما تكون غالبا بالضياء والنور ، وهما ينشآن من المشرق لا من المغرب وما في الرحمن بالتثنيه موافقة للتثنيه في { يسجدان } وفي : { فبأي آلاء ربكما تكذبان } .
وبذكر المقابلين موافقة لبسط صفاته تعالى وإنعاماته ثم ، وما في المعارج بالجمع موافقة للجمع قبله وبعده ، وبذكر المقابلين موافقة لكثرة التأكيد في القسم وجوابه ، وما في المزمل بالإفراد موافقة لما قبله من إفراد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم وما بعده ، من إفراد ذكر الله تعالى ، وبذكر المقابلين موافقة للحصر في قوله : لا إله إلا هو ، ولبسط أوامر الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم ثمة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.