مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{رَّبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَمَا بَيۡنَهُمَا وَرَبُّ ٱلۡمَشَٰرِقِ} (5)

المسألة الرابعة : أما دلالة أحوال السموات والأرض على وجود الإله القادر العالم الحكيم ، وعلى كونه واحدا منزها عن الشريك فقد سبق تقريرها في هذا الكتاب مرارا وأطوارا وأما قوله تعالى : { ورب المشارق } فيحتمل أن يكون المراد مشارق الشمس قال السدي : المشارق ثلاثمائة وستون مشرقا وكذلك المغارب فإنه تطلع الشمس كل يوم من مشرق وتغرب كل يوم في مغرب ، ويحتمل أن يكون المراد مشارق الكواكب لأن لكل كوكب مشرقا ومغربا ، فإن قيل لم أكتفي بذكر المشارق ؟ قلنا لوجهين الأول : أنه اكتفى بذكر المشارق كقوله : { تقيكم الحر } والثاني أن الشرق أقوى حالا من الغروب وأكثر نفعا من الغروب فذكر الشرق تنبيها على كثرة إحسان الله تعالى على عباده ، ولهذه الدقيقة استدل إبراهيم عليه السلام بالمشرق فقال : { فإن الله يأتي بالشمس من المشرق } .

المسألة الخامسة : احتج الأصحاب بقوله تعالى : { رب السموات والأرض وما بينهما } على كونه تعالى خالقا لأعمال العباد ، قالوا : لأن أعمال العباد موجود فيما بين السموات والأرض ، وهذه الآية دالة على أن كل ما حصل بين السموات والأرض فالله ربه ومالكه ، فهذا يدل على أن فعل العبد حصل بخلق الله ، وإن قالوا : الأعراض لا يصح وصفها بأنها حصلت بين السموات والأرض لأن هذا الوصف إنما يليق بما يكون حاصلا في حيز وجهة والأعراض ليست كذلك ، قلنا : إنها لما كانت حاصلة في الأجسام الحاصلة بين السموات والأرض فهي أيضا حاصلة بين السماء والأرض .