قوله تعالى : { أو آباؤنا الأولون قل إن الأولين والآخرين لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم ثم إنكم أيها الضالون المكذبون لآكلون من شجر من زقوم فمالئون منها البطون فشاربون عليه من الحميم فشاربون شرب الهيم } قرأ أهل المدينة ، وعاصم وحمزة :{ شرب } بضم الشين . وقرأ الباقون بفتحها وهما لغتان ، فالفتح على المصدر ، والضم اسم بمعنى المصدر كالضعف والهيم الإبل العطاش ، قال عكرمة وقتادة : الهيام : داء يصيب الإبل لا تروى معه ، ولا تزال تشرب حتى تهلك . يقال جمل أهيم ، وناقة هيماء ، والإبل هيم . وقال الضحاك وابن عيينة : الهيم الأرض السهلة ذات الرمل .
ثم قال- تعالى - : { فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الحميم فَشَارِبُونَ شُرْبَ الهيم } والضمير فى قوله : { عَلَيْهِ } يعود على الأكل المستفاد من قوله : { لآكِلُونَ } . . .
أى : ثم إنكم إيها الضالون المكذبون بعد هذا الأكل الخبيث من شجرة الزقوم . . . تشربون عليه فى بطونكم - ماء - قد بلغ درجات الحرارة ، فصرتم فى شرابكم كالإبل العطاش التى لا يرويها الماء مهما كثر لأنها مصابة بداء ، هذا الداء يمنعها من الشبع منه ، فما تزال تشرب منه حتى تهلك .
فقوله : { الهيم } صفة لموصوف محذوف ، أى : الإبل الهيم ، جمع أهيم للمذكر ، وهيماء للمؤنث .
والهيام - بضم الهاء - داء يصيب الإبل ، يجعلها تشرب فلا تشبع ، وما تزال تشرب حتى تهلك ، أو تسقم سقما شديدا يؤدى إلى موتها ، والفاء فى قوله - تعالى - : { فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ } عطف على { لآكِلُونَ . . } لإفادة أن شربهم مع عطشهم الشديد ، يأتى بعد أكلهم من الزقوم ، بدون مهلة أو استراحة .
وقوله : { فَشَارِبُونَ شُرْبَ . . } تأكيد لما قبله ، للتنبيه على أن هذا الشراب - مع فظاعته وقبحه - لا مفر منه ، ولا انفكاك لهم عنه .
و : { الهيم } قال ابن عباس ومجاهد وعكرمة والضحاك : هو جمع أهيم ، وهو الجمل الذي أصابه الهُيام ، بضم الهاء ، وهو داء معطش يشرب معه الجمل حتى يموت أو يسقهم سقماً شديداً ، والأنثى : هيماء . وقال بعضهم : هو جمع هيماء كبيض وعين ، وقال قوم آخرون : هو جمع هائم وهائمة ، وهذا أيضاً من هذا المعنى ، لأن الجمل إذا أصابه ذلك الداء هام على وجهه وذهب ، وقال سفيان الثوري وابن عباس : { الهيم } هنا الرمال التي لا تروى من الماء ، وذلك أن الهَيام بفتح الهاء هو الرمل الدق الغمر المتراكم ، وقال ثعلب . الهُيام : بضم الهاء : الرمل الذي لا يتماسك .
وقرأ ابن كثير وابن عامر وأبو عمرو والكسائي : «شَرب » بفتح الشين ، وهي قراءة الأعرج وابن المسيب وشعيب بن الحبحاب ومالك بن دينار وابن جريج ، ولا خلاف أنه مصدر ، وقرأ مجاهد : «شِرب » بكسر الشين ، ولا خلاف أنه اسم ، وقرأ أهل المدينة وباقي السبعة : «شُرب » ، بضم الشين ، واختلف فيه ، فقال قوم وهو مصدر ، وقال آخرون هم اسم لما يشرب .
وقد زيد تفظيعاً بالتشبيه في قوله : { فشاربون شرب الهيم } ، كما سيأتي ، وإعادة فعل ( شاربون ) للتأكيد وتكرير استحضار تلك الصورة الفظيعة . ومعنى { شاربون عليه } يجوز أن يكون ( على ) فيه للاستعلاء ، أي شاربون فوقه الحميم ، ويجوز مع ذلك استفادة معنى ( مع ) من حرف ( على ) تعجيباً من فظاعة حالهم ، أي يشربون هذا الماء المحرق مع ما طعموه من شجر الزقوم الموصوفة في آية أخرى بأنها { يغلي في البطون كغَلي الحميم } [ الدخان : 45 ، 46 ] فيفيد أنهم يتجرعونه ولا يستطيعون امتناعاً .
و { مِن } الداخلة على { شجر } ابتدائية ، أي آكلون أكلاً يؤخذ من شجر الزقوم ، و { من } الثانية الداخلة على { زقوم } بيانية لأن الشجر هو المسمى بالزقوم .
وتأنيث ضمير الشجر في قوله : { فمالئون منها البطون } لأن ضمائر الجمع لغير العاقل تأتي مؤنثة غالباً .
وأما ضمير { عليه } فإنما جاء بصيغة المذكر لأنه عائد على الأكل المستفاد من قوله : { لآكلون } ، أي على ذلك الأكل بتأويل المصدر باسم المفعول مثل الخلق بمعنى المخلوق .
والهِيم : جمع أهيم ، وهو البعير الذي أصابه الهُيام بضم الهاء ، وهو داء يصيب الإِبل يورثها حُمى في الأمعاء فلا تزال تشرب ولا تروَى ، أي شاربون من الحميم شرباً لا ينقطع فهو مستمرة آلامه .
وقرأ نافع وعاصم وحمزة وأبو جعفر { شُرب } بضم الشين اسمَ مصدر شرب ، وقرأ الباقون بفتح الشين وهو المصدر لشَرِب .
ورويت عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بسند صححه الحاكم ، وخبر الواحد لا يزيد المتواترَ قُوة فكلتا القراءتين متواتر .
والفاء في قوله : { فشاربون عليه من الحميم } عطف على { لآكلون } لإِفادة تعقيب أكل الزقوم ب { شرب الهيم } دون فترة ولا استراحة .
وإعادة { فشاربون } توكيد لفظي لنظيره ، وفائدة هذا التوكيد زيادة تقرير ما في هذا الشرب من الأعجوبة وهي أنه مع كراهته يزدادون منه كما ترى الأهيم ، فيزيدهم تفظيعاً لأمعائهم لإِفادة التعجيب من حالهم تعجيباً ثانياً بعد الأول ، فإن كونهم شاربين للحميم على ما هو عليه من تناهي الحرارة أمر عجيب ، وشربهم له كما تَشرَب الإِبل الهِيم في الإِكثار أمر عجيب أيضاً ، فكانتا صفتين مختلفتين .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.