السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{فَشَٰرِبُونَ شُرۡبَ ٱلۡهِيمِ} (55)

{ فشاربون } أي : منه { شرب الهيم } أي : الإبل العطاش وهو جمع هيمان للذكر وهيمى للأنثى كعطشان وعطشى ، والهيام : داء معطش تشرب الإبل منه إلى أن تموت أو تسقم سقماً شديداً ؛ وقيل : إنه جمع هائم وهائمة من الهيام أيضاً إلا أن جمع فاعل وفاعلة على فعل قليل نحو نازل ونزل وعائد وعود ؛ وقيل : إنه جمع هيام بفتح الهاء وهو الرمل غير المتماسك الذي لا يروى من الماء أصلاً فيكون مثل سحاب وسحب بضمتين ثم خفف بإسكان عينه ثم كسرت فاؤه لتصح الباء كما فعل بالذي قبله ، والمعنى : أنه يسلط عليهم من الجوع ما يضطرّهم إلى أكل الزقوم الذي هو كالمهل فإذا ملؤوا منه البطون سلط عليهم من العطش ما يضطرّهم إلى شرب الحميم الذي يقطع أمعاؤهم فيشربون منه شرب الهيم .

فإن قيل : كيف صح عطف الشاربين على الشاربين وهما لذوات متفقة وصفتان متفقتان فكان عطفاً للشيء على نفسه ؟ أجيب : بأنهما ليستا بمتفقتين من حيث أن كونهم شاربين الحميم على ما هو عليه من تناهي الحرارة وقطع أمعائهم أمر عجيب فشربهم له على ذلك كما يشرب الهيم الماء أمر عجيب أيضاً فكانتا صفتين مختلفتين ؛ وقرأ نافع وعاصم وحمزة : بضم الشين والباقون بفتحها .