قوله : { شُرْبَ الْهِيمِ } : قرأ نافعٌ وعاصمٌ وحمزةُ بضم الشين ، وباقي السبعة بفتحِها ، ومجاهد وأبو عثمان النهدي بكسرِها فقيل : الثلاثُ لغاتٌ في مصدر شَرِب ، والمقيسُ منها إنما هو المفتوحُ . وقيل : المصدرُ هو المفتوحُ والمضموم والمكسورُ اسمان لِمَا يُشْرَبُ كالرِّعْي والطِّحْن . / وقال الكسائي : يُقالُ شرِبْتُ شُرباً وشَرْباً . ويروى قولُ جعفر : " أيامُ مِنى أيامُ أكلٍ وشُرْبٍ وبِعال " بفتح الشين . والشَّرْب في غيرِ هذا اسمٌ للجماعة الشاربين قال :
كأنَّه خارِجٌ من جَنْبِ صَفْحَتِهِ *** سَفُّوْدُ شَرْبٍ نَسُوْهُ عند مُفْتَأَدِ
والمعنى : مثلَ شُرْبِ الهِيم . والهِيْمُ فيه أوجهٌ ، أحدها : أنه جَمْعُ أَهْيمَ أو هَيْماء ، وهو الجَمَلَُ والناقةُ التي أصابها الهُيامُ وهو داءٌ مُعْطِشٌ تشرب الإِبلُ منه إلى أن تموتَ أو تَسْقُمُ سُقْماً شديداً ، والأصلُ : هُيْم بضمِّ الهاءِ كأَحْمر وحُمْراء وحُمْر ، فقُلِبت الضمةُ كسرةً لتصِحَّ الياءُ ، وذلك نحو : بِيْض في أبيض . وأُنْشد لذي الرمة :
فأصبَحْتُ كالهَيْماءِ لا الماءُ مُبْرِدٌ *** صَداها ولا يَقْضي عليها هُيامُها
الثاني : أنه جمع هائِم وهائِمة من الهُيام أيضاً ، إلاَّ أنَّ جَمْعَ فاعِل وفاعِلة على فُعْل قليلٌ نادرٌ نحو : بازِل وبُزْل وعائِذ وعُوْذ ومنه : العُوْذُ المَطافيل . وقيل : هو من الهُيام وهو الذَّهابُ ؛ لأنَّ الجملَ إذا أصابه ذلك هامَ على وَجْهه . الثالث : أنه جمع هَيام بفتح الهاء وهو الرَّمْلُ غيرُ المتماسكِ الذي لا يُرْوَى من الماء أصلاً ، فيكونُ مثلَ سَحاب وسُحُب بضمتين ، ثم خُفِّف بإسكان عينه ثم كُسِرَتْ فاؤه لتصِحَّ الياء ، كما فُعِلَ بالذي قبله . الرابع : أنَّه جمعُ " هُيام " بضم الهاء وهو الرَّمْل غيرُ المتماسكِ أيضاً لغةً في " الهَيام " بالفتح ، حكاها ثعلب ، إلاَّ أن المشهورَ الفتحُ ثم جُمع على فُعْل نحو : قُراد وقُرْد ، ثم خُفِّفَ وكُسِرَتْ فاؤُه لتصِحَّ الياء والمعنى : أنَّه يُصيبهم من الجوع ما يُلجِئُهم إلى أَكْلِ الزَّقُّوم ، ومن العطشِ ما يَضْطرُّهم إلى شُرْب الحميم مثلَ شُرْبِ الهِيْم . وقال الزمخشري : " فإن قلتَ : كيف صَحَّ عَطْفُ الشاربين على الشاربين ، وهما لذواتٍ واحدةٍ ، وصفتان متفقتان ، فكان عطفاً للشيء على نفسِه ؟ قلت : لَيْستا بمتفقتَيْن من حيث إنَّ كونَهم شاربين على ما هو عليه مِنْ تناهي الحرارة وقَطْع الأمعاء أمرٌ عجيبٌ ، وشُرْبُهم له على ذلك كما تَشْرَب الهِيم أمرٌ عجيب أيضاً ، فكانتا صفتَيْن مختلفتَيْن " انتهى يعنى قولَه : " فشاربون عليه من الحميم ، فشاربون " وهو سؤالٌ حسنٌ ، وجوابُه مثلُه .
وأجاب بعضُهم عنه بجواب آخر : وهو أنَّ قولَه : { فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ } تفسيرٌ للشُرْب قبلَه ، ألا ترى أنَّ ما قبلَه يَصْلُح أن يكونَ مثلَ شُرْبِ الهيمِ ومثلَ شُرْبِ غيرِها ففَسَّره بأنه مثلُ شُرْبِ هؤلاء البهائم أو الرِّمالِ .
وفي ذلك فائدتان ، إحداهما : التنبيهُ على كثرةِ شُرْبهم منه والثاني : عَدمُ جَدْوَى الشُّرْب ، وأن المشروبَ لا يَنْجَعُ فيهم كما لا يَنْجَعُ في الهِيْم على التفسيرَين .
وقال الشيخ : " والفاءُ تقتضي التعقيبَ في الشُّرْبَيْنِ ، وأنهم أولاً لمَّا عَطِشوا شَرِبوا من الحميم ، ظَنّاً منهم أنه يُسَكِّنُ عَطَشَهُم ، فازداد العطشُ بحرارةِ الحميمِ ، فشربوا بعده شُرْباً لا يقع بعدَه رِيٌّ أبداً . وهو مِثْلُ شُرْبِ الهيم فهما شُربان مِنَ الحَميم لا شُرْبٌ واحدٌ ، اختلفَتْ صفتاه فَعَطف . والمشروبُ مِنْه في { فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ } محذوفٌ لفَهْمِ المعنى تقديرُه : فشاربون منه " انتهى . والظاهرُ أنه شُرْبٌ واحدٌ بل الذي نعتقدُ هذا فقط ، وكيف يُناسِبُ أَنْ تكونَ زيادتُهم العطشَ بشُرْبِه مقتضيةً لشُرْبِهم منه ثانياً ؟
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.