{ وآخر } أي مذوق أو عذاب آخر ، وقرأ البصريان " وأخرى " أي ومذوقات أو أنواع عذاب أخر . { من شكله } من مثل هذا المذوق أو العذاب في الشدة ، وتوحيد الضمير على أنه لما ذكر أو للشراب الشامل للحميم والغساق أو للغساق . وقرئ بالكسر وهو لغة . { أزواج } أجناس خبر ل { آخر } أو صفة له أو للثلاثة ، أو مرتفع بالجار والخبر محذوف مثل لهم .
وقرأ جمهور الناس : «وآخر » بالإفراد ، وهو رفع بالابتداء ، واختلف في تقديره خبره ، فقالت طائفة تقديره : ولهم عذاب آخر . وقالت طائفة : خبره : { أزواج } لأن قوله : { أزواج } ابتداء و { من شكله } خبره ، والجملة خبر «آخر » . وقالت طائفة : خبره : { أزواج } ، و { من شكله } في موضع الصفة . ومعنى { من شكله } : من مثله وضربه ، وجاز على هذا القول أن يخبر الجمع الذي هو أزواج عن الواحد من حيث ذلك الواحد درجات ورتب من العذاب وقوى وأقل منه . وأيضاً فمن جهة أخرى على أن يسمى كل جزء من ذلك الآخر باسم الكل ، قالوا : عرفات لعرفة : وشابت مفارقه فجعلوا كل جزء من المفرق مفرقاً ، وكما قالوا : " جمل ذو عثانين " ونحو هذا ، ألا ترى أن جماعة من المفسرين قالوا إن هذا الآخر هو الزمهرير ، فكأنهم جعلوا كل جزء منه زمهريراً .
وقرأ أبو عمرو وحده : «وأخر » على الجمع ، وهي قراءة الحسن ومجاهد والجحدري وابن جبير وعيسى ، وهو رفع بالابتداء وخبره { أزواج } ، و { من شكله } في موضع الصفة ، ورجح أبو عبيد هذه القراءة وأبو حاتم بكون الصفة جمعاً ، ولم ينصرف «أخر » لأنه معدول عن الألف واللام صفة ، وذلك أن حق أفعل وجمعه أن لا يستعمل إلا بالألف واللام ، فلما استعملت «أخر » دون الألف واللام كان ذلك عدلاً لها ، وجاز في «أخر » أن يوصف بها النكرة كقوله تعالى : { فعدة من أيام أخر } [ البقرة : 184 - 185 ] بخلاف جمع ما عدل عن الألف واللام ، كسحر ونحوه في أنه لا يجوز أن يوصف به النكرة ، لأن هذا العدل في «أخر » اعتد به في منع الصرف ولم يعتد به في الامتناع من صفة النكرة كما يعتدون بالشيء في حكم دون حكم ، نحو اللام في قولهم : لا أبا لك ، لأن اللام المتصلة بالكاف اعتد بها فاصلة للإضافة ، ولذلك جاز دخول لا ، ولم يعتد بها في أن أعرب أبا بالحروف وشأنه إذا انفصل ولم يكن مضافاً أن يعرب بالحركات فجاءت اللام ملغاة الحكم من حيث أعرب بالحرف ، كأنه مضاف وهي معتد بها فاصلة في أن جوزت دخول لا .
وقرأ مجاهد : «من شِكله » بكسر الشين . و { أزواج } معناه : أنواع ، والمعنى لهم حميم وغساق وأغذية أخر من ضرب ما ذكره ونحوه أنواع كثيرة .
وقوله : { وءَاخَرُ } صفة لموصوف محذوف دلت عليه الإِشارة بقوله : { هذا } وضمير { فليذوقوه } ووصفُ آخر يدل على مغاير . وقوله : { مِن شَكلِهِ } يدل على أنه مغاير له بالذات وموافق في النوع ، فحصل من ذلك أنه عذاب آخر أو مذوق آخر .
والشَّكل بفتح الشين : المثل ، أي المماثل في النوع ، أي وعذاب آخر غير ذلك الذي ذاقوه من الحميم والغساق هو مثل ذلك المشار إليه أو مثل ذلك الذوق في التعذيب والألم . وأفرد ضمير { شَكلهِ } مع أن معاده { حَميمٌ وغسَّاقٌ } نظراً إلى إفراد اسم الإِشارة ، أو إلى إفراد ( مذوق ) المأخوذ من ( يذوقوه ) ، فقوله : { مِن شكلهِ } صفة ل { آخر .
والأزواج : جمع زوج بمعنى النوع والجنس ، وقد تقدم عند قوله : { ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين } في سورة [ الرعد : 3 ] .
والمعنى : وعذاب آخر هو أزواج أصناف كثيرة . ولما كان اسماً شائعاً في كل مغاير صحّ وصفه ب { أزواج } بصيغة الجمع .
وقرأ الجمهور : { وءَاخَرُ } بصيغة الإِفراد . وقرأه أبو عمرو ويعقوب { وأُخَر } بضم الهمزة جمع أخرى على اعتبار تأنيث الموصوف ، أي وأزواج أخر من شكل ذلك العذاب .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
"وآخر من شكله" يعني من نحو الحميم والغساق أصناف: ألوان من العذاب في الحميم يشبه بعضه بعضا في شبه العذاب.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وقوله:"وآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أزْوَاجٌ" اختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء المدينة والكوفة "وآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أزْوَاجٌ "على التوحيد، بمعنى: هذا حميم وغساق فليذوقوه، وعذاب آخر من نحو الحميم ألوان وأنواع...
عن عبد الله: "وآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أزْوَاجٌ": قال الزمهرير...
عن الحسن، قال: ذكر الله العذاب، فذكر السلاسل والأغلال، وما يكون في الدنيا، ثم قال: "وآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أزْوَاجٌ": قال: وآخر لم ير في الدنيا.
وأما قوله: "مِنْ شَكْلِهِ" فإن معناه: من ضربه ونحوه...
وقوله: "أزْوَاجٌ": يعني: ألوان وأنواع...
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
قال:"وآخر من شكله أزواج": معناه أنواع أخر من شكل العذاب "أزواج "أي: أمثال.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{وَءَاخَرُ}: ومذوقات أخر من شكل هذا المذوق، من مثله في الشدة والفظاعة {أزواج}: أجناس.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
{مِن شَكلِهِ} يدل على أنه مغاير له بالذات وموافق في النوع، فحصل من ذلك أنه عذاب آخر أو مذوق آخر...
والأزواج: جمع زوج بمعنى النوع والجنس،ولما كان اسماً شائعاً في كل مغاير صحّ وصفه ب {أزواج} بصيغة الجمع...