ومن هو هذا الذي يكذب بالدين ، والذي يقرر القرآن أنه يكذب بالدين . . وإذا الجواب : ( فذلك الذي يدع اليتيم . ولا يحض على طعام المسكين ) !
وقد تكون هذه مفاجأة بالقياس إلى تعريف الإيمان التقليدي . . ولكن هذا هو لباب الأمر وحقيقته . . إن الذي يكذب بالدين هو الذي يدفع اليتيم دفعا بعنف - أي الذي يهين اليتيم ويؤذيه .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
ثم أخبر عن المكذب بالدين ، فقال : { فذلك الذي يدع اليتيم } يعني يدفعه عن حقه ، فلا يعطيه ، نظيرها : { يوم يدعون إلى نار جهنم } [الطور :13].
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
فهذا الذي يكذّب بالدين ، هو الذي يدفع اليتيم عن حقه ، ويظلمه ... عن مجاهد ، في قول الله : { يَدُعّ الْيَتِيمَ } قال : يدفع اليتيم فلا يُطعمه ...
عن قتادة { فَذَلِكَ الّذِي يَدُعّ الْيَتِيمَ } : أي يَقْهَره ويظلمه .
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{ فَذَلِكَ الذي } يكذب بالجزاء ، هو الذي { يَدُعُّ اليتيم } أي : يدفعه دفعاً عنيفاً بجفوة وأذى ، ويردّه ردّاً قبيحاً بزجر وخشونة .
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
ثم قال تعالى : { فذلك الذي يدعُّ اليتيم } أي ارقب فيه هذه الخلال السيئة تجدها . ودع اليتيم : دفعه بعنف ، وذلك إما أن يكون المعنى عن إطعامه والإحسان إليه ، وإما أن يكون عن حقه وماله ، فهذا أشد ...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{ فذلك } أي البغيض البعيد من كل خير { الذي يدع } أي يدفع دفعاً عنيفاً بغاية القسوة { اليتيم } ويظلمه ولا يحث على إكرامه ؛ لأن الله تعالى نزع الرحمة من قلبه ، ولا ينزعها إلا من شقي ؛ لأنه لا حامل على الإحسان إليه إلا الخوف من الله سبحانه وتعالى ، فكان التكذيب بجزائه سبباً للغلظة عليه .
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
( فذلك الذي يدع اليتيم . ولا يحض على طعام المسكين ) ! وقد تكون هذه مفاجأة بالقياس إلى تعريف الإيمان التقليدي . . ولكن هذا هو لباب الأمر وحقيقته . . إن الذي يكذب بالدين هو الذي يدفع اليتيم دفعا بعنف - أي الذي يهين اليتيم ويؤذيه .
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
المنافق ينهر اليتيم: هل تريد أن تكتشفه فلا يخفى عليك أمره ، ولا يغش الناس بنفاقه ؟ { فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ } فلا يخاف الله ، ولا يتقيه في أمره ، فتراه يدفعه بعنف ، ويردّه بقسوة ، ويجفوه بشدّة ، من دون خوف من عذاب الله ؛ لأنه لا ينظر إلى الأمور من خلال نتائجها الأخروية ليمنعه ذلك عن التصرف السيّء الذي ينذر بالعاقبة السيئة في الآخرة ؛ بل ينظر إلى الأمور من خلال نتائجها الدنيوية الخاضعة في حساباتها لموازين القوّة والضعف ، ما يجعله يهاب الأقوياء ويستضعف الضعفاء .
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
«الدين » هنا «الجزاء » أو يوم الجزاء ، وإنكار يوم الجزاء له عواقبه الوخيمة ، وانعكاسات على أعمال الإنسان . وفي هذه السّورة ذكرت خمسة آثار لهذا الإنكار منها : «طرد اليتيم ، وعدم الحثّ على إطعام المسكين » . أي إنّ الشخص المنكر للمعاد لا يطعم المساكين ، ولا يدعو الآخرين إلى إطعامهم . واحتمل بعض أن يكون المقصود من الدين هنا القرآن أو الإسلام . والمعنى الأوّل أنسب . ونظيره ورد في قوله تعالى : { كلاّ بل تكذبون بالدين } وقوله سبحانه : { ما يكذّبك بعد بالدين } . وفي هذه الآيات ورد «الدين » بمعنى يوم الجزاء أيضاً بقرينة الآيات الأُخرى . «يدع » أي يدفع دفعاً شديداً ، ويطرد بخشونة .