البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{فَذَٰلِكَ ٱلَّذِي يَدُعُّ ٱلۡيَتِيمَ} (2)

هو الذي { يدع اليتيم } : أي يدفعه دفعاً عنيفاً بجفوة أو أذى ، { ولا يحض } : أي ولا يبعث أهله على بذل الطعام للمسكين .

جعل علم التكذيب بالجزاء ، منع المعروف والإقدام على إيذاء الضعيف ، انتهى .

وقرأ الجمهور : { يدع } بضم الدال وشد العين ؛ وعليّ والحسن وأبو رجاء واليماني : بفتح الدال وخف العين ، أي يتركه بمعنى لا يحسن إليه ويجفوه .

وقال الزمخشري : بعد أن قدم فيما نقلناه من كلامه ما يدل على أن { فذلك الذي يدع } في موضع رفع ، قال : وطريقة أخرى أن يكون { فذلك } عطفاً على { الذي يكذب } ، إما عطف ذات على ذات ، أو عطف صفة على صفة ، ويكون جواب { أرأيت } محذوفاً لدلالة ما بعده عليه ، كأن قال : أخبرني وما تقول فيمن يكذب بالجزاء ، وفيمن يؤذي اليتيم ولا يطعم المسكين ، أنعم ما يصنع ؟ ثم قال : { فويل للمصلين } : أي إذا علم أنه مسيء ، { فويل للمصلين } على معنى : فويل لهم ، إلا أنه وضع صفتهم موضع ضميرهم لأنهم كانوا مع التكذيب ، وما أضيف إليهم ساهين عن الصلاة مرائين غير مزكين أموالهم .

فإن قلت : كيف جعلت المصلين قائماً مقام ضمير { الذي يكذب } ، وهو واحد ؟ قلت : معناه الجمع ، لأن المراد به الجنس ، انتهى .

فجعل فذلك في موضع نصب عطفاً على المفعول ، وهو تركيب غريب ، كقولك : أكرمت الذي يزورنا فذلك الذي يحسن إلينا ، فالمتبادر إلى الذهن أن فذلك مرفوع بالابتداء ، وعلى تقدير النصب يكون التقدير : أكرمت الذي يزورنا فأكرمت ذلك الذي يحسن إلينا .

فاسم الإشارة في هذا التقدير غير متمكن تمكن ما هو فصيح ، إذ لا حاجة إلى أن يشار إلى الذي يزورنا ، بل الفصيح أكرمت الذي يزورنا فالذي يحسن إلينا ، أو أكرمت الذي يزورنا فيحسن إلينا .

وأما قوله : إما عطف ذات على ذات فلا يصح ، لأن فذلك إشارة إلى الذي يكذب ، فليسا بذاتين ، لأن المشار إليه بقوله : { فذلك } هو واحد .

وأما قوله : ويكون جواب { أرأيت } محذوفاً ، فلا يسمى جواباً ، بل هو في موضع المفعول الثاني لأرأيت .

وأما قوله : أنعم ما يصنع ، فهمزة الاستفهام لا نعلم دخولها على نعم ولا بئس ، لأنهما إنشاء ، والاستفهام لا يدخل إلى على الخبر .

وأما وضعه المصلين موضع الضمير ، وأن المصلين جمع ، لأن ضمير الذي يكذب معناه الجمع ، فتكلف واضح ولا ينبغي أن يحمل القرآن إلا على ما اقتضاه ظاهر التركيب ، وهكذا عادة هذا الرجل يتكلف أشياء في فهم القرآن ليست بواضحة .