قوله : { فَذَلِكَ } ، فيه وجهان :
أحدهما : أن الفاء جواب شرط مقدر ، أي : طلبت علمه فذلك .
والثاني : أنها عاطفة «فَذلِكَ » على «الَّذي يُكذِّبُ » إما عطف ذات على ذات ، أو صفة على صفة ، ويكون جواب «أرَأيْتَ » محذوفاً لدلالة ما بعده عليه ، كأنه قيل : أخبرني ، وإما تقول فيمن يكذب بالجزاء ، وفيمن يؤذي اليتيم ، ولا يطعم المسكين : أنِعْمَ ما يصنع ؟
فعلى الأول يكون اسم الإشارة في محل رفع بالابتداء ، والخبر الموصول بعده ، وإما على أنه خبر لمبتدأ مضمر ، أي : فهو ذلك ، والموصول نعته .
وعلى الثاني : أن يكون منصوباً بالنسق ، على ما هو منصوب ، إلا أن أبا حيان رد الثاني فقال{[60920]} : جعل «فَذلِكَ » في موضع نصب على المفعول ، وهو تركيب غريب ، كقولك : «أكرمت الذي يزورنا فذلك الذي يحسن إلينا » ، فالمتبادر إلى الذهن أن «فَذلِكَ » مرفوع بالابتداء ، وعلى تقدير النصب يكون التقدير : أكرمت الذي يزورنا ، فأكرمت ذلك الذي يحسن إلينا ، فاسم الإشارة في هذا التقدير غير متمكِّن تمكن ما هو فصيح ، إذ لا حاجة إلى أن يشار إلى «الذي يزورنا » ، بل الفصيح : أكرمت الذي يزورنا ، فالذي يحسن إلينا ، أو «أكرمت الذي يزورنا ، فيحسن إلينا » ، وأما قوله : «إما عطف ذات على ذات » ، فلا يصح ؛ لأن «فذلك » إشارة إلى «الَّذي يُكذِّبُ » فليسا بذاتين ؛ لأن المشار إليه بقوله : «فَذلِكَ » هو واحد ، وأما قوله : «ويكون جواب أرأيت محذوفاً » فلا يسمَّى جواباً ؛ بل هو في موضع المفعول الثاني ل «أرأيت » ، وأما تقديره «أنعمَ ما يصنع » فهمزة الاستفهام لا نعلم دخولها على «نِعْمَ » ، ولا «بِئْسَ » ؛ لأنهما إنشاء ، والاستفهام لا يدخل إلا على الخبر ، انتهى .
[ والجواب عن قوله : «فاسم الإشارة غير متمكن » إلى آخره ، أن الفرق بينهما أن في الآية الكريمة استفهاماً وهو «أرأيتَ » ، فحسن أن يفسر ذلك المستفهم منه بخلاف المثال الذي مثل به ، فمن ثم حسن التركيب المذكور ، وعن قوله : «لأن » فذلك إشارة إلى القائم لا إلى زيد ، وإن كان يجوز أن يكون إشارة إليه ، وعن قوله : «فلا يسمى جواباً » أن النحاة يقولون : جواب الاستفهام ، وهذا قد تقدمه استفهام فحسن ذلك ]{[60921]} ، وعن قوله : «والاستفهام لا يدخل إلا على الخبر » بالمعارضة بقوله : { فَهَلْ عَسَيْتُمْ } [ محمد : 22 ] فإن «عسى » إنشاء فما كان جواباً له ، فهو جوابٌ لنا .
قال ابن الخطيب{[60922]} : هذا اللفظ ، وإن كان في صورة الاستفهام ، لكن الغرض بمثله المبالغة في التعجب كقولك : أرأيت فلاناً ماذا ارتكب .
ثم قيل : إنه خطاب للرسول عليه الصلاة والسلام .
قوله : { يَدُعُّ اليتيم } قرأ العامة : بضم الدَّال ، وتشديد العين من «دعَّه » أي : دفعه ، وأمير المؤمنين والحسن{[60923]} وأبو رجاء : «يَدعُ » بفتح الدال وتخفيف العين .
قال الضحاك عن ابن عباس : { فذلِكَ الذي يدعُّ اليَتِيمَ } ، أي : يدفعه عن حقه{[60924]} ، قال تعالى : { يَوْمَ يُدَعُّونَ إلى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا } [ الطور : 13 ] .
[ قال قتادة : يقهره ويظلمه ، وقد تقدم في سورة «النساء » أنهم كانوا لا يورثون النساء ، ولا الصغار ، ويقولون : إنما يجوز المال من يطعن بالسنان ويضرب بالحسام ]{[60925]} .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «مَنْ ضمَّ يَتِيْماً مِنَ المُسْلمينَ ، حَتَّى يَسْتَغْنِي فَقدْ وجَبَتْ لهُ الجَنَّة »{[60926]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.