اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{فَذَٰلِكَ ٱلَّذِي يَدُعُّ ٱلۡيَتِيمَ} (2)

قوله : { فَذَلِكَ } ، فيه وجهان :

أحدهما : أن الفاء جواب شرط مقدر ، أي : طلبت علمه فذلك .

والثاني : أنها عاطفة «فَذلِكَ » على «الَّذي يُكذِّبُ » إما عطف ذات على ذات ، أو صفة على صفة ، ويكون جواب «أرَأيْتَ » محذوفاً لدلالة ما بعده عليه ، كأنه قيل : أخبرني ، وإما تقول فيمن يكذب بالجزاء ، وفيمن يؤذي اليتيم ، ولا يطعم المسكين : أنِعْمَ ما يصنع ؟

فعلى الأول يكون اسم الإشارة في محل رفع بالابتداء ، والخبر الموصول بعده ، وإما على أنه خبر لمبتدأ مضمر ، أي : فهو ذلك ، والموصول نعته .

وعلى الثاني : أن يكون منصوباً بالنسق ، على ما هو منصوب ، إلا أن أبا حيان رد الثاني فقال{[60920]} : جعل «فَذلِكَ » في موضع نصب على المفعول ، وهو تركيب غريب ، كقولك : «أكرمت الذي يزورنا فذلك الذي يحسن إلينا » ، فالمتبادر إلى الذهن أن «فَذلِكَ » مرفوع بالابتداء ، وعلى تقدير النصب يكون التقدير : أكرمت الذي يزورنا ، فأكرمت ذلك الذي يحسن إلينا ، فاسم الإشارة في هذا التقدير غير متمكِّن تمكن ما هو فصيح ، إذ لا حاجة إلى أن يشار إلى «الذي يزورنا » ، بل الفصيح : أكرمت الذي يزورنا ، فالذي يحسن إلينا ، أو «أكرمت الذي يزورنا ، فيحسن إلينا » ، وأما قوله : «إما عطف ذات على ذات » ، فلا يصح ؛ لأن «فذلك » إشارة إلى «الَّذي يُكذِّبُ » فليسا بذاتين ؛ لأن المشار إليه بقوله : «فَذلِكَ » هو واحد ، وأما قوله : «ويكون جواب أرأيت محذوفاً » فلا يسمَّى جواباً ؛ بل هو في موضع المفعول الثاني ل «أرأيت » ، وأما تقديره «أنعمَ ما يصنع » فهمزة الاستفهام لا نعلم دخولها على «نِعْمَ » ، ولا «بِئْسَ » ؛ لأنهما إنشاء ، والاستفهام لا يدخل إلا على الخبر ، انتهى .

[ والجواب عن قوله : «فاسم الإشارة غير متمكن » إلى آخره ، أن الفرق بينهما أن في الآية الكريمة استفهاماً وهو «أرأيتَ » ، فحسن أن يفسر ذلك المستفهم منه بخلاف المثال الذي مثل به ، فمن ثم حسن التركيب المذكور ، وعن قوله : «لأن » فذلك إشارة إلى القائم لا إلى زيد ، وإن كان يجوز أن يكون إشارة إليه ، وعن قوله : «فلا يسمى جواباً » أن النحاة يقولون : جواب الاستفهام ، وهذا قد تقدمه استفهام فحسن ذلك ]{[60921]} ، وعن قوله : «والاستفهام لا يدخل إلا على الخبر » بالمعارضة بقوله : { فَهَلْ عَسَيْتُمْ } [ محمد : 22 ] فإن «عسى » إنشاء فما كان جواباً له ، فهو جوابٌ لنا .

فصل

قال ابن الخطيب{[60922]} : هذا اللفظ ، وإن كان في صورة الاستفهام ، لكن الغرض بمثله المبالغة في التعجب كقولك : أرأيت فلاناً ماذا ارتكب .

ثم قيل : إنه خطاب للرسول عليه الصلاة والسلام .

وقيل : خطاب لكل عاقل .

قوله : { يَدُعُّ اليتيم } قرأ العامة : بضم الدَّال ، وتشديد العين من «دعَّه » أي : دفعه ، وأمير المؤمنين والحسن{[60923]} وأبو رجاء : «يَدعُ » بفتح الدال وتخفيف العين .

فصل

قال الضحاك عن ابن عباس : { فذلِكَ الذي يدعُّ اليَتِيمَ } ، أي : يدفعه عن حقه{[60924]} ، قال تعالى : { يَوْمَ يُدَعُّونَ إلى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا } [ الطور : 13 ] .

[ قال قتادة : يقهره ويظلمه ، وقد تقدم في سورة «النساء » أنهم كانوا لا يورثون النساء ، ولا الصغار ، ويقولون : إنما يجوز المال من يطعن بالسنان ويضرب بالحسام ]{[60925]} .

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «مَنْ ضمَّ يَتِيْماً مِنَ المُسْلمينَ ، حَتَّى يَسْتَغْنِي فَقدْ وجَبَتْ لهُ الجَنَّة »{[60926]} .


[60920]:البحر المحيط 8/518.
[60921]:سقط من: أ.
[60922]:الفخر الرازي 32/104.
[60923]:ينظر: المحرر الوجيز 5/527، والبحر المحيط 8/518، والدر المصون 6/575.
[60924]:وروي من رواية العوفي عنه أخرجه الطبري في "تفسيره" (12/704).
[60925]:سقط من: ب.
[60926]:تقدم تخريجه في سورة الضحى.