الآية 1-3 : قوله تعالى : { أرأيت الذي يكذب بالدين } { فذلك الذي يدع اليتيم } { ولا يحض على طعام المسكين }{[24075]} ؟ اختلفوا في نزوله ، قال ابن عباس رضي الله عنه : هي مدنية ، وقال مقاتل ومجاهد وجماعة : هي مكية .
وجائز أن يكون أولها نزل بمكة ؛ لأن الذي ذكر أنها نزلت في شأنه كان مكيا ، وهو العاص بن وائل السهمي ، مع ما أنهم هم الذين يكذبون بيوم الدين ، وآخرها نزل بالمدينة ؛ لأن في آخرها وصف المنافقين ، وهو ما ذكر من المراءاة في الصلاة ، ومنع ما ذكر .
ثم إن كان نزولها في الكفرة فالجهة فيه والمعنى غير الجهة والسبب لو كانت نزلت في المنافقين .
ثم قوله تعالى : { أرأيت } حرف يستعمل في موضع السؤال والاستفهام ، ويجوز أن يكون استعماله على وجه التقرير على{[24076]} السائل لما يراد إعلامه على سبيل ما روي في الخبر : " أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيته ، أما قبل منك ؟ ( أحمد6/429 ) وكان ذلك في موضع التقرير . فكذلك قوله تعالى : { أرأيت } معناه ، والله أعلم ، أن اعلم أن { الذي يدع اليتيم } { ولا يحض على طعام المسكين } هو الذي يكذب بالدين ( قال أهل التأويل جميعا : { يكذب بالدين }{[24077]} أي بالحساب والبعث .
وجائز أن يكون { يكذب بالدين } الذي يظهر لك ، ولا يحقق .
فإن كان في المنافقين } لأن أهل النفاق كانوا يكذبون ( فهو من ){[24078]} يظهر الموافقة لرسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين .
( وإن كان في أهل الكفر ، فهو في الرؤساء منهم ، فتكذيبهم بالدين ، هو ما كانوا يظهرون لأتباعهم من الجهد والشدة ، يموّهون بذلك على أتباعهم ليقع عندهم أن الذي هم عليه حق ، وأن الذي عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم باطل ، فيكذبون بالدين الذي يرون من أنفسهم ، ويظهرون بالتمويهات التي يموهون بها عليهم ، فكيف إن كانت نزلت في المنافقين ، أو في أهل الكفر ، أو في الذي كذب بالحساب والبعث ، أو في الذي ذكرنا أنه يظهر خلاف ما يضمر ؟ .
فيه عظة وتنبيه للمؤمنين ){[24079]} وزجر لهم عن مثل صنيعهم ؛ لأنه نعت الذي كذب بالدين ؛ إذ كان المراد به الحساب أو الدين نفسه حين{[24080]} قال : { فذلك الذي يدع اليتيم } { ولا يحض على طعام المسكين } كأنه قال : { الذي يكذب بالدين } هو { الذي يدع اليتيم } أي يظلم اليتيم ، وحقه يمنع { ولا يحض على طعام المسكين } يقول- والله أعلم- للمؤمنين : لا تظلموا اليتيم ، ولا تمنعوا حقه ، ولا تسيؤوا صحبة اليتيم كما فعل من كذب بالدين ، ( وما حض ){[24081]} على طعام المسكين ، يصف بخلهم واستهانتهم باليتيم والمساكين ، وسوء معاملتهم التي عاملوها ، يعظ المؤمنين ويزجرهم عن ذلك .
وجائز أن يكون قوله تعالى : { ولا يحض على طعام المسكين } لما عندهم أن من أعطي المال ، ووسع عليه الدنيا ، إنما أعطي ذلك لكرامة له عند الله تعالى ، ومن ضيق عليه ، ومنع ذلك عنه ، لهوان له عنده وحقارة ، كقوله تعالى : { فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعّمه فيقول ربي أكرمن } { وأما ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن } ( الفجر15و16 ) وقوله تعالى : { أنطعم من لو يشاء الله أطعمه } ؟ ( يس : 47 ) يظنون أن الله تعالى منع من{[24082]} منع ذلك لهوان له عنده ، ومن وسع عليه وسع لكرامة له عنده ( فيقولون : كيف نكرم ){[24083]} من أهانه الله تعالى ؟ .
فيحتمل أن يكون ما ذكر أنه لا يحض على طعام المسكين ، ويحتمل أن يكون الذي حمله على ظلمه اليتيم وتركه إطعامه تكذيبه بالبعث ؛ لأنه ليس لليتيم من ينصره ، ويقوم بدفع من يقصد ظلمه ، ويمنع حقه ، وكان لا يخاف عقوبة البعث ؛ إذ لا يؤمن به .
ثم يحتمل قوله تعالى : { أرأيت الذي يكذب بالدين } { فذلك الذي يدع اليتيم } { ولا يحض على طعام المسكين } أن يكون في الاعتقاد والرؤية ، ويحتمل أن يكون في حق الفعل نفسه .
فإن كان في الاعتقاد والرؤية فأهل الإسلام لا يعتقدون ، وإن كان في حق الفعل فإنهم ربما يفعلون ذلك .
وحمله عندنا على الاعتقاد أوجب وأقرب لما وصفنا أن اليتيم لا ناصر له ، وليس للكافر خوف العاقبة لما لا يؤمن بذلك ، وإنما يمنع المرء من سوء الصحبة لهذين : إما رغبة في جزاء الآخرة ، ( وإما ){[24084]} خوف المكافآت في الدنيا .
والمساكين ليس لهم في الدنيا ما يكافئهم ويجازيهم ، وليس لليتيم ناصر ليخاف منه ، ولم يكن للكافر رغبة في ثواب الدنيا والآخرة من العقاب لعدم تصديقه بذلك .
ثم قوله تعالى : { ولا يحض على طعام المسكين } هو النهاية في وصفه بالبخل ؛ لأن الحث على الصدقة أن يرجيه ، ويطعمه في ثوابه . فإذا لم يرج ( هو ){[24085]} بنفسه ، فكيف يرجي غيره مع ما أن الحكمة عند هؤلاء الكفرة : من جر إلى نفسه نفعا فهو الحكيم ، ومن ضر نفسه ، فهو جائر غير حكيم ، وهو إذا منع الصدقة نفع نفسه ، وإذا أوفى اليتيم حقه ضرها ؟ فلذلك لا يرغب فيها . فهذا المعنى الذي وصفناه دعانا إلى توجيه التأويل إلى الاعتقاد .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.