{ قَالَ فَعَلْتُهَآ إِذاً وَأَنَاْ مِنَ الضالين } .
أى قال موسى فى جوابه على فرعون : أنا لا أنكر أنى قد فعلت هذه الفعلة التى تذكرنى بها ، ولكنى فعلتها وأنا فى ذلك الوقت من الضالين ، أى : فعلت ذلك قبل أن يشرفنى الله بوحيه ، ويكلفنى بحمل رسالته ، وفضلا عن ذلك فأنا كنت أجهل أن هذه الوكزة تؤدى إلى قتل ذلك الرجل من شيعتك ، لأنى ما قصدت قتله ، وإنما قصدت تأديبه ومنعه من الظلم لغيره .
فالمراد بالضلال هنا : الجهل بالشىء ، والذهاب عن معرفة حقيقته .
ولكن موسى وقد استجاب الله دعاءه فأزال حبسة لسانه - انطلق - يجيب :
قال : فعلتها إذن وأنا من الضالين . ففررت منكم لما خفتكم ، فوهب لي ربي حكما وجعلني من المرسلين . وتلك نعمة تمنها علي أن عبدت بني إسرائيل ! . .
فعلت تلك الفعلة وأنا بعد جاهل ، أندفع اندفاع العصبية لقومي ، لا اندفاع العقيدة التي عرفتها اليوم بما أعطاني ربي من الحكمة .
{ قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا } أي : في تلك الحال ، { وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ } أي : قبل أن يوحى إليّ وينعم الله عليَّ بالرسالة والنبوة{[21701]} .
قال ابن عباس ، رضي الله عنهما ، ومجاهد ، وقتادة ، والضحاك ، وغيرهم : { وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ } أي : الجاهلين .
قال ابن جُرَيْج : وهي كذلك في قراءة عبد الله بن مسعود رضي الله عنه .
القول في تأويل قوله تعالى : { قَالَ فَعَلْتُهَآ إِذاً وَأَنَاْ مِنَ الضّالّينَ * فَفَرَرْتُ مِنكُمْ لَمّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبّي حُكْماً وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ } .
يقول تعالى ذكره : قال موسى لفرعون : فعلت تلك الفعلة التي فعلت ، أي قتلت تلك النفس التي قتلتُ إذن وأنا من الضالين . يقول : وأنا من الجاهلين قبل أن يأتيني من الله وحي بتحريم قتله عليّ . والعرب تضع من الضلال موضع الجهل ، والجهل موضع الضلال ، فتقول : قد جهل فلان الطريق وضلّ الطريق ، بمعنى واحد . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد وأنا مِنَ الضّالّينَ قال : من الجاهلين .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد ، مثله . قال ابن جُرَيج : وفي قراءة ابن مسعود : «وأنا مِنَ الجاهِلِينَ » .
قال : ثنا الحسين ، قال : حدثنا أبو سفيان ، عن معمر ، عن قتادة وأنا مِنَ الضّالّينَ قال : من الجاهلين .
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله وأنْتَ مِنَ الكافِرِينَ فقال موسى : لم أكفر ، ولكن فعلتها وأنا من الضالين . وفي حرف ابن مسعود : «فَعَلْتُها إذا وأنا مِنَ الجاهِلِينَ » .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : قالَ فَعَلْتُها إذا وأنا مِنَ الضّالينَ قبل أن يأتيني من الله شيء كان قتلى إياه ضلالة خطأ . قال : والضلالة ههنا الخطأ ، لم يقل ضلاله فيما بينه وبين الله .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قال فَعَلْتُها إذا وأنا مِنَ الضّالّينَ يقول : وأنا من الجاهلين .
القائل هنا هو موسى عليه السلام والضمير في قوله { فعلتها } لقتله القبطي ، وقوله { إذاً } صلة في الكلام وكأنها بمعنى حينئذ{[8915]} ، وقوله { وأنا من الضالين } قال ابن زيد معناه من الجاهلين بأن وكزتي إياه تأتي على نفسه ، وقال أبو عبيدة معناه من الناسين لذلك ، ونزع بقوله تعالى أن تضل إحداهما{[8916]} ، وفي قراءة عبد الله بن مسعود وابن عباس «وأنا من الجاهلين » ويشبه أن تكون هذه القراءة على جهة التفسير{[8917]} .