اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{قَالَ فَعَلۡتُهَآ إِذٗا وَأَنَا۠ مِنَ ٱلضَّآلِّينَ} (20)

قوله :{ قَالَ فَعَلْتُهَا إِذاً وَأَنَا مِنَ الضالين } . «إذاً » هنا حرف جواب فقط . قال الزمخشري : إنها جوابٌ وجزاءٌ معاً قال : فإِنْ قُلْتَ : ( إذاً ) حرف جواب وجزاءً معاً ، والكلام وقع جواباً لفرعون ، فكيف وقع جزاء ؟ قلت : قول فرعون : «وفَعَلْتَ فَعْلتكَ » فيه معنى أنك جازيت نعمتي بما فعلت ، فقال له موسى : نعم فعلتها مجازياً لك تسليماً لقوله ، كأن نعمته كانت عنده جديرة بأن تُجَازَى بنحو ذلك الجزاء{[36987]} .

قال أبو حيان : وهذا مذهب سيبويه ، يعني : أنها للجزاء والجواب معاً{[36988]} ، قال : ولكن شراح الكتاب فهموا أنها قد تتخلف عن الجزاء ، والجواب معنى لازم لها{[36989]} .

فصل :

واعلم أن فرعون عدد عليه نعمه من تربيته وتبليغه مبلغ الرجال ، ووبخه بما جرى على يده من قتل أجناده ، وعظم ذلك بقوله : { وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ التي فَعَلْتَ } .

ولما ذكر فرعون التربية ذكر القتل ، وكانت تربيته معلومة ما أنكرها موسى - عليه السلام{[36990]} - وقد تقرر في العقول أن الرسول إلى الغير إذا كان معه معجزة وحجة لم يتغير{[36991]} حاله بأن يكون المرسل إليه أنعم عليه أو لم ينعم ، صار قول فرعون غير مؤثر فالإعراض عنه أولى ، ولكن أجاب عن القتل بما لا شيء أبلغ منه في الجواب ، فقال : { قَالَ فَعَلْتُهَا إِذاً وَأَنَا مِنَ الضالين } أي : من الجاهلين ، أي : لم يأتني من عند الله شيء ، أو من الجاهلين بأن ذلك يؤدي إلى قتله ، لأنه وكزه تأديباً ، ومثل ذلك ربما حَسُن{[36992]} .

وقيل : من المخطئين ، فبين أنه فعله على وجه لا تجوز المؤاخذة{[36993]} به ، فيعد كافراً لنعمه{[36994]} .


[36987]:الكشاف 3/111.
[36988]:قال سيبويه: ( وأما "إذن" فجواب وجزاء) الكتاب 4/234.
[36989]:انظر البحر المحيط 7/11. أي: أي سيبويه قال معناها الجواب والجزاء فقال الشلويين: دائما في كل موضع، وقال أبو علي الفارسي غالباً في أكثر المواضع كقولك لمن قال: أزورك: إذن أكرمك، فقد أجبته وجعلت إكرامه جزاء زيارته، أي: إن تزرني أكرمتك، قال: وقد تتمحض للجواب كقولك لمن قال: أحبك: إذن أصدقك. إذ لا مجازاة هنا، والشلويين يتكلف في جعل مثل هذا جزاء، أي: إن كنت قلت ذلك حقيقة صدقتك. انظر الهمع 2/6، الأشموني 3/290-291.
[36990]:في ب: عليه الصلاة والسلام.
[36991]:في ب: يتعين. وهو تحريف.
[36992]:انظر الفخر الرازي 24/125-126.
[36993]:في ب: لمن أخذه.
[36994]:انظر الفخر الرازي 24/126.