روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{قَالَ فَعَلۡتُهَآ إِذٗا وَأَنَا۠ مِنَ ٱلضَّآلِّينَ} (20)

{ قَالَ فَعَلْتُهَا } أي تلك الفعلة { إِذَا } أي إذ ذاك على ما آثره بعض المحققين سقي الله تعالى ثراه من أن { إِذَا } ظرف مقطوع عن الإضافة مؤثراً فيه الفتحة على الكسرة لخفتها وكثرة الدور ، وأقر عليه السلام بالقتل لثقته بحفظ الله تعالى له ، وقيد الفعل بما يدفع كونه قادحاً في النبوة وهو جملة { وَأَنَاْ مِنَ } أي من الجاهلين وقد جاء كذلك في قراءة ابن عباس . وابن مسعود كما نقله أبو حيان في «البحر » لكنه قال : ويظهر أن ذاك تفسير للضالين لا قراءة مريوة عن الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأراد عليه السلام بذلك على ما روي عن قتادة أنه فعل ذلك جاهلاً به غير متعمد إياه فإنه عليه السلام إنما تعمد الوكز للتأديب فأدى إلى ما أدى ، وفي معنى ما ذكر ما روي عن ابن زيد من أن المعنى وأنا من الجاهلين بأن وكزتي تأتي على نفسه ، وقيل : المعنى فعلتها مقدماً عليها من غير مبالاة بالعواقب على أن الجهل بمعنى الإقدام من غير مبالاة كما فسر بذلك في قوله :

ألا لا يجلهن أحد علينا *** فنجهل فوق جهل الجاهلينا

وهذا مما يحسن على بعض الأوجه في تقرير الجواب المذكور ، قيل : إن الضلال ههنا المحبة كما فسر بذلك في قوله تعالى : { تالله إِنَّكَ لَفِى ضلالك القديم } [ يوسف : 95 ] وعنى عليه السلام أنه قتل القبطي غيرة لله تعالى حيث كان عليه السلام من المحبين له عز وجل وهو كما ترى ، ومثله ما قيل أراد من الجاهلين بالشرائع ، وفسر الضلال بذلك في قوله تعالى : { وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فهدى } [ الضحى : 7 ] ، وقال أبو عبيدة : من الناسين ، وفسر الضلال بالنسيان في قوله تعالى : { أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكّرَ إِحْدَاهُمَا الاخرى } [ البقرة : 282 ] وعليه قيل المراد فعلتها ناسياً حرمتها ، وقيل : ناسياً أن وكزي ذلك مما يفضي إلى القتل عادة ؛ والذي أميل إليه من بين هذه الأقوال ما روي عن قتادة ، وسيأتي إن شاء الله تعالى في سورة القصص ما يتعلق بهذا المقام .

وأخرج أبو عبيد . وابن المنذر . وابن جريج عن ابن مسعود أنه قرأ { فَعَلْتُهَا وَأَنَاْ مِنَ الضالين } .