البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{قَالَ فَعَلۡتُهَآ إِذٗا وَأَنَا۠ مِنَ ٱلضَّآلِّينَ} (20)

{ قال فعلتها إذاً } : إجابة موسى عن كلامه الأخير المتضمن للقتل ، إذ كان الاعتذار فيه أهم من الجواب في ذكر النعمة بالتربية ، لأنه فيه إزهاق النفس .

قال ابن عطية : إذن صلة في الكلام وكأنها بمعنى حينئذ . انتهى .

وليس بصلة ، بل هي حرف معنى .

وقوله وكأنها بمعنى حينئذ ، ينبغي أن يجعل قوله تفسير معنى ، إذ لا يذهب أحد إلى أن إذن ترادف من حيث الإعراب حينئذ .

وقال الزمخشري : فإن قلت : إذاً جواب وجزاء معاً ، والكلام وقع جواباً لفرعون ، فكيف وقع جزاء ؟ قلت : قول فرعون : { وفعلت فعلتك } فيه معنى : إنك جازيت نعمتي بما فعلت ؛ فقال له موسى : نعم فعلتها ، مجازياً لك تسليماً لقوله ، كأن نعمته كانت عنده جديرة بأن تجازى بنحو ذلك الجزاء . انتهى .

وهذا الذي ذكره من أن إذاً جواب وجزاء معاً ، هو قول سيبويه ، لكن الشراح فهموا أنها قد تكون جواباً وجزاء معاً ، وقد تكون جواباً فقط دون جزاء .

فالمعنى اللازم لها هو الجواب ، وقد يكون مع ذلك جزاء .

وحملوا قوله : { فعلتها إذاً } من المواضع التي جاءت فيها جواباً لآخر ، على أن بعض أئمتنا تكلف هنا كونها جزاء وجواباً ، وهذا كله محرر فيما كتبناه في إذن في شرح التسهيل ، وإنما أردنا أن نذكر أن ما قاله الزمخشري ليس هو الصحيح ، ولا قول الأكثرين .

{ وأنا من الضالين } ، قال ابن زيد : معناه من الجاهلين ، بأن وكزتي إياه تأتي على نفسه .

وقال أبو عبيدة : من الناسين ، ونزع لقوله : { أن تضل إحداهما } وفي قراءة عبد الله ، وابن عباس : وأنا من الجاهلين ، ويظهر أنه تفسير للضالين ، لا قراءة مروية عن الرسول صلى الله عليه وسلم .

وقال الزمخشري : من الفاعلين فعل أولي الجهل ، كما قال يوسف لإخوته : { إذ أنتم جاهلون } أو المخلصين ، كمن يقتل خطأ من غير تعمد للقتل ، أو الذاهبين عن تلك الصفة . انتهى .

وقيل : من الضالين ، يعني عن النبوة ، ولم يأتني عن الله فيه شيء ، فليس عليّ فيما فعلته في تلك الحالة توبيخ .

ومن غريب ما شرح به أن معنى { وأنا من الضالين } ، أي من المحبين لله ، وما قتلت القبطي إلا غيرة لله .

قيل : والضلال يطلق ويراد به المحبة ، كما في قوله : { إنك لفي ضلالك القديم } أي في محبتك القديمة .