{ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى } أي : لا يتبع إلا ما أوحى الله إليه من الهدى والتقوى ، في نفسه وفي غيره .
ودل هذا على أن السنة وحي من الله لرسوله صلى الله عليه وسلم ، كما قال تعالى : { وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ } وأنه معصوم فيما يخبر به عن الله تعالى وعن شرعه ، لأن كلامه لا يصدر عن هوى ، وإنما يصدر عن وحي يوحى .
وقوله : { إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يوحى } استئناف بيانى مؤكد لما قبله .
والضمير " هو " يعود إلى المنطوق به ، المفهوم من قوله - تعالى - : { وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهوى } . أى : أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لا يصدر نطقه فيما يأتيكم به عن هوى نفسه ورأيه ، وإنما الذى ينطق به ، هو وحى من الله - تعالى - أوحاه إليه على سبيل الحقيقة التى لا يحوم حولها شك أو ريب .
ومتعلق " يوحى " محذوف للعلم به . أى : ما هذا الذى ينطق به إلا وحى أوحاه - سبحانه - إلى نبيكم - صلى الله عليه وسلم - .
قال الإمام ابن كثير : قوله : { إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يوحى } أى : إنما يقول ما أمر بتبليغه إلى الناس كاملا موفورا من غير زيادة ولا نقصان . . . فعن عبد الله بن عمرو قال : " كنت أكتب كل شىء أسمعه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أريد حفظه ، فنهتنى قريش فقالوا : إنك تكتب كل شىء تسمعه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشر يتكلم فى الغضب ، فأمسكت عن الكتابة ، فذكرت ذلك له ، فقال : " اكتب فوالذى نفسى بيده ، ما خرج منى إلا الحق " " .
وعن أبى هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال " " لا أقول إلا حقا " فقال بعض أصحابه : فإنك تداعبنا يا رسول الله ؟ قال : " إنى لا أقول إلا حقا " " .
وقال صاحب الكشاف : ويحتج بهذه الآية من لا يرى الاجتهاد للأبنياء ، ويجاب بأن الله - تعالى - إذا سوغ لهم الاجتهاد ، كان الاجتهاد وما يستند إليه كله وحيا لا نطقا عن الهوى .
{ إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى } أي : إنما يقول ما أمر به ، يبلغه إلى الناس كاملا موفَّرًا من غير زيادة ولا نقصان ، كما رواه الإمام أحمد .
حدثنا يزيد ، حدثنا حَرِيز بن عثمان ، عن عبد الرحمن بن مَيْسَرَة ، عن أبي أمامة ؛ أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ليدخلنّ الجنة بشفاعة رجل ليس بنبي مثلُ الحيين - أو : مثل أحد الحيين - : رَبِيعة ومُضَر " . فقال رجل : يا رسول الله ، أو ما ربيعة من مضر ؟ قال : " إنما أقول ما أقول " {[27561]} .
وقال الإمام أحمد : حدثنا يحيى بن سعيد ، عن عُبَيد الله بن الأخنس ، أخبرنا الوليد بن عبد الله ، عن يوسف بن مَاهَك ، عن عبد الله بن عمرو قال : كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم أريد حفظه ، فنهتني قريش فقالوا : إنك تكتب كل شيء تسمعه من رسول الله ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بشر ، يتكلم في الغضب . فأمسكتُ عن الكتاب ، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : " اكتب ، فوالذي نفسي بيده ، ما خرج مني إلا حق " .
ورواه أبو داود عن مُسَدَّد وأبي بكر بن أبي شيبة ، كلاهما عن يحيى بن سعيد القَطَّان ، به{[27562]} .
وقال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا أحمد بن منصور ، حدثنا عبد الله بن صالح ، حدثنا الليث ، عن ابن عَجْلان ، عن زيد بن أسلم ، عن أبي صالح ، عن أبي هُرَيرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ما أخبرتكم أنه الذي من عند الله ، فهو الذي لا شَكّ فيه " . ثم قال : لا نعلمه يُروَى إلا بهذا الإسناد{[27563]} .
وقال الإمام أحمد : حدثنا يونس ، حدثنا ليث ، عن محمد ، عن سعيد بن أبي سعيد ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لا أقول إلا حقا " . قال بعض أصحابه : فإنك تداعبنا يا رسول الله ؟ قال : " إني لا أقول إلا حقا " {[27564]} .
يقول تعالى ذكره : وما ينطق محمد بهذا القرآن عن هواه { إن هو إلا وحي يوحى } يقول : ما هذا القرآن إلا وحي من الله يوحيه إليه . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل ، ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال ثنا سعيد ، عن قتادة قوله { وما ينطق عن الهوى } أي ما ينطق عن هواه {إن هو إلا وحي يوحى } قال : يوحي الله تبارك وتعالى إلى جبرائيل ويوحي جبريل إلى محمد صلى الله عليه وسلم .