قوله تعالى : { ولقد آتينا موسى الكتاب فاختلف فيه } فمصدق ومكذب كما اختلف قومك في كتابك ، { ولولا كلمة سبقت من ربك } في تأخير العذاب عن المكذبين بالقرآن ، { لقضي بينهم } لفرغ من عذابهم وعجل إهلاكهم ، { وإنهم لفي شك منه } من صدقك { مريب } موقع لهم الريبة . { من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد } .
{ 45-46 } { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ * مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ }
يقول تعالى : { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ } كما آتيناك الكتاب ، فصنع به الناس ما صنعوا معك ، اختلفوا فيه : فمنهم من آمن به واهتدى وانتفع ، ومنهم من كذبه ولم ينتفع به ، وإن اللّه تعالى ، لولا حلمه وكلمته السابقة ، بتأخير العذاب إلى أجل مسمى لا يتقدم عليه ولا يتأخر { لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ } بمجرد ما يتميز المؤمنون من الكافرين ، بإهلاك الكافرين في الحال ، لأن سبب الهلاك قد وجب وحق . { وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ } أي : قد بلغ بهم إلى الريب الذي يقلقهم ، فلذلك كذبوه وجحدوه .
ثم بين - سبحانه - زيادة فى التسلية لرسوله صلى الله عليه وسلم ، أن اختلاف الأمم فى شأن ما جاء به الرسل شئ قديم فقال - تعالى - : { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الكتاب فاختلف فِيهِ . . } .
أى : ولقد آتينا نبينا موسى - عليه السلام - كتابه التوراة ليكون هداية ونورا لقومه ، فاختلفوا فى شأن هذا الكتاب ، فمنهم من آمن به ، ومنهنم من صد عنه .
{ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ } - أيها الرسول الكريم - وهى ألا يعذب المكذبين من أمتك فى الدنيا عذابا يستأصلهم ويهلكهم .
لولا ذلك { لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ } أى : لأهلكهم كما أهلك السابقين من قبلهم .
{ وَإِنَّهُمْ } أى : كفار قومك { لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ } أى : لفى شك من هذا القرآن وريبة من أمره ، جعلهم يعيشون فى قلق واضطراب .
ويشير إلى موسى وكتابه واختلاف قومه في هذا الكتاب . يشير إليه نموذجاً للرسل الذين ورد ذكرهم من قبل إجمالاً . وقد أجل الله حكمه في اختلافهم ، وسبقت كلمته أن يكون الفصل في هذا كله في يوم الفصل العظيم :
( ولقد آتينا موسى الكتاب فاختلف فيه ، ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم ، وإنهم لفي شك منه مريب ) . .
وقوله : { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ } أي : كذب وأوذي ، { فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ } [ الأحقاف : 35 ] . { وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى } [ الشورى : 14 ] بتأخير الحساب إلى يوم المعاد ، { لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ } أي : لعجل لهم العذاب ، بل لهم موعد لن يجدوا من دونه موئلا { وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ } أي : وما كان تكذيبهم له عن بصيرة منهم لما قالوا ، بل كانوا شاكين فيما قالوا{[25750]} ، غير محققين لشيء كانوا فيه . هكذا وجهه ابن جرير ، وهو محتمل ، والله أعلم .
وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رّبّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنّهُمْ لَفِي شَكّ مّنْهُ مُرِيبٍ .
يقول تعالى ذكره : وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الكِتابَ يا محمد ، يعني التوراة ، كما آتيناك الفرقان ، فاخْتُلِفَ فِيهِ يقول : فاختلف في العمل بما فيه الذين أوتوه من اليهود وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبّكَ لَقُضِيَ بَيْنِهُمْ يقول : ولولا ما سبق من قضاء الله وحكمه فيهم أنه أخر عذابهم إلى يوم القيامة لقضي بينهم يقول : لعجل الفصل بينهم فيما اختلفوا فيه بإهلاكه المبطلين منهم ، كما :
حدثنا محمد ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، في قوله : وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبّكَ قال : أخروا إلى يوم القيامة .
وقوله : وإنّهُمْ لَفِي شَكّ مِنْهُ مُرِيبٍ يقول : وإن الفريق المبطل منهم لفي شكّ مما قالوا فيه مُريب يقول : يريبهم قولهم فيه ما قالوا ، لأنهم قالوا بغير ثبت ، وإنما قالوه ظنّا .
{ ولقد آتينا موسى الكتاب فاختلف فيه } بالتصديق والتكذيب كما اختلف في القرآن . { ولولا كلمة سبقت من ربك } وهي العدة بالقيامة وفصل الخصومة حينئذ ، أو تقدير الآجال . { لقضي بينهم } باستئصال المكذبين . { وإنهم } وإن اليهود أو { الذين لا يؤمنون } . { لفي شك منه } من التوراة أو القرآن . { مريب } موجب للاضطراب .