{ وَهُوَ الَّذِي أَحْيَاكُمْ } أوجدكم من العدم { ثُمَّ يُمِيتُكُمْ } بعد أن أحياكم ، { ثُمَّ يُحْيِيكُمْ } بعد موتكم ، ليجازي المحسن بإحسانه ، والمسيء بإساءته ، { إِنَّ الْإِنْسَانَ } أي : جنسه ، إلا من عصمه الله { لَكَفُورٌ } لنعم الله ، كفور بالله ، لا يعترف بإحسانه ، بل ربما كفر بالبعث وقدرة ربه .
{ وَهُوَ الذي أَحْيَاكُمْ } أى : بعد أن كنتم أمواتا فى بطون أمهاتكم ، وقبل أن ينفخ بقدرته الروح فيكم . { ثُمَّ يُمِيتُكُمْ } أى : بعد انقضاء آجالكم فى هذه الحياة { ثُمَّ يُحْيِيكُمْ } أى : عند البعث والحساب .
{ إِنَّ الإنسان لَكَفُورٌ } أى : لكثير الجحود والكفران لنعم ربه التى لا تحصى .
فأنت ترى أن هذه الآيات الكريمة قد ذكرت أنواعا متعددة من الأدلة على قدرته - سبحانه - ، كما ذكرت ألوانا من نعمه على عباده ، ومن ذلك إنزال الماء من السماء فتصبح الأرض مخضرة بعد أن كانت يابسة . وتسخير ما فى الأرض للإنسان ، وتسخير الفلك لخدمته ومنفعته ، وإمساك السماء أن تقع على الأرض إلا بمشيئته - تعالى - وإيجادنا من العدم بقدرته ورحمته .
وينتهي السياق في استعراض دلائل القدرة ودقة الناموس بالانتقال من الكون إلى النفس ؛ وعرض سنن الحياة والموت في عالم الإنسان :
( وهو الذي أحياكم ، ثم يميتكم ، ثم يحييكم ، إن الإنسان لكفور ) . .
والحياة الأولى معجزة ، تتجدد في كل حياة تنشأ آناء الليل وأطراف النهار . وسرها اللطيف ما يزال غيبا يحار العقل البشري في تصور كنهه . . وفيه مجال فسيح للتأمل والتدبر . .
والموت سر آخر يعجز العقل البشري عن تصور كنهه ، وهو يتم في لحظة خاطفة ، والمسافة بين طبيعة الموت وطبيعة الحياة مسافة عريضة ضخمة . . وفيه مجال فسيح للتأمل والتدبر . .
والحياة بعد الموت - وهي غيب من الغيب ، ولكن دليله حاضر من النشأة الأولى . . وفيه مجال كذلك للتأمل والتدبر . .
ولكن هذا الإنسان لا يتأمل ولا يتدبر هذه الدلائل والأسرار : ( إن الإنسان لكفور ) . .
والسياق يستعرض هذه الدلائل كلها ، ويوجه القلوب إليها في معرض التوكيد لنصرة الله لمن يقع عليه البغي وهو يرد عن نفسه العدوان . وذلك على طريقة القرآن في استخدام المشاهد الكونية لاستجاشة القلوب ، وفي ربط سنن الحق والعدل في الخلق بسنن الكون ونواميس الوجود . .
وقوله : { وَهُوَ الَّذِي أَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ الإنْسَانَ لَكَفُورٌ } ، كقوله : { كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } [ البقرة : 28 ] ، وقوله : { قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ } [ الجاثية : 26 ] ، وقوله : { قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ } [ غافر : 11 ] ومعنى الكلام : كيف تجعلون [ مع ]{[20408]} الله أندادا وتعبدون معه غيره ، وهو المستقل بالخلق والرزق والتصرف ، { وَهُوَ الَّذِي أَحْيَاكُمْ } أي : خلقكم بعد أن لم تكونوا شيئًا يذكر ، فأوجدكم { ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ } أي : يوم القيامة ، { إِنَّ الإنْسَانَ لَكَفُورٌ } أي : جحود .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.