قوله تعالى : { فيها } أي في الليلة المباركة ، { يفرق } أي يفصل ، { كل أمر حكيم } محكم ، وقال ابن عباس : يكتب من أم الكتاب في ليلة القدر ما هو كائن في السنة من الخير والشر والأرزاق والآجال حتى الحجاج ، يقال : يحج فلان ويحج فلان ، قال الحسن ومجاهد وقتادة : يبرم في ليلة القدر في شهر رمضان كل أجل وعمل وخلق ورزق ، وما يكون في تلك السنة . وقال عكرمة : هي ليلة النصف من شعبان يبرم فيها أمر السنة وتنسخ الأحياء من الأموات فلا يزاد فيهم أحد ولا ينقص منهم أحد .
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أبو منصور السمعاني ، حدثنا أبو جعفر الرياني ، حدثنا حميد بن زنجويه ، حدثنا عبد الله بن صالح ، حدثني الليث ، حدثني عقيل ، عن ابن شهاب ، أخبرني عثمان بن محمد بن المغيرة بن الأخنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " تقطع الآجال من شعبان إلى شعبان ، حتى إن الرجل لينكح ويولد له ولقد أخرج اسمه في الموتى " . وروى أبو الضحى عن ابن عباس رضي الله عنهما : " أن الله يقضي الأقضية في ليلة النصف من شعبان ، ويسلمها إلى أربابها في ليلة القدر " .
{ يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ } أي : يفصل ويميز ويكتب كل أمر قدري وشرعي حكم الله به ، وهذه الكتابة والفرقان ، الذي يكون في ليلة القدر أحد{[780]} الكتابات التي تكتب وتميز فتطابق الكتاب الأول الذي كتب الله به مقادير الخلائق وآجالهم وأرزاقهم وأعمالهم وأحوالهم ، ثم إن الله تعالى قد وكل ملائكة تكتب ما سيجري على العبد وهو في بطن أمه ، ثم وكلهم بعد وجوده إلى الدنيا وكل به كراما كاتبين يكتبون ويحفظون عليه أعماله ، ثم إنه تعالى يقدر في ليلة القدر ما يكون في السنة .
وقوله - تعالى - : { فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ } جملة مستأنفة - أيضا - لبيان وجه تخصيص هذه الليلة بإنزال القرآن فيها .
وقوله { يُفْرَقُ } أى : يفصل ويبين ويكتب . و { حَكِيمٍ } أى : ذو حكمة ، أو محكم لا تتغير فيه .
أى : فى هذه الليلة المباركة يفصل ويبين ويكتب ، كل أمر ذى حكمة باهرة ، وهذا الأمر صادر عن الله - تعالى - ، الذى لا راد لقضائه ، ولا مبدل لحكمه .
قال صاحب الكشاف ما ملخصه : فإن قلت : { إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ } ما موقع هاتين الجملتين ؟
قلت : هما جملتان مستأنفتان ، فسر بهما جواب القسم الذى هو قوله - تعالى - : { إِنَّآ أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ } كأنه قيل : أنزلناه لأن من شأننا الإِنذار والتحذير من العقاب ، وكان إنزالنا إياه فى هذه الليلة خصوصا ، لأن إنزال القرآن من الأمور الحكيمة ، وهذه الليلة مفرق كل أمر حكيم .
ومعنى { يُفْرَقُ } يفصل ويكتب كل أمر حكيم من أرزاق العباد وآجالهم وجميع أمورهم .
وهذه الليلة المباركة بنزول هذا القرآن كانت فيصلاً وفارقاً بهذا التنزيل :
وقد فرق فيها بهذا القرآن في كل أمر ، وفصل فيها كل شأن ، وتميز الحق الخالد والباطل الزاهق ، ووضعت
الحدود ، وأقيمت المعالم لرحلة البشرية كلها بعد تلك الليلة إلى يوم الدين ؛ فلم يبق هناك أصل من الأصول التي تقوم عليها الحياة غير واضح ولا مرسوم في دنيا الناس ، كما هو واضح ومرسوم في الناموس الكلي القديم .
وقوله : { فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ } أي : في ليلة القدر يفصل من اللوح المحفوظ إلى الكتبة أمر السنة ، وما يكون فيها من الآجال والأرزاق ، وما يكون فيها إلى آخرها . وهكذا روي عن ابن عمر ، وأبي مالك ، ومجاهد ، والضحاك ، وغير واحد من السلف .
وقوله : { حكيم } أي : محكم لا يبدل ولا يغير ؛ ولهذا قال : { أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا }
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.