البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{فِيهَا يُفۡرَقُ كُلُّ أَمۡرٍ حَكِيمٍ} (4)

قال الزمخشري : فإن قلت : { إنا كنا منذرين فيها يفرق كل أمر حكيم } ، ما موقع هاتين الجملتين ؟ قلت : هما جملتان مستأنفتان ملفوفتان ، فسر بهما جواب القسم الذي هو قوله تعالى : { إنا أنزلناه في ليلة مباركة } ، كأنه قيل : أنزلناه ، لأن من شأننا الإنذار والتحذير من العقاب .

وكان إنزالنا إياه في هذه الليلة خصوصاً ، لأن إنزال القرآن من الأمور المحكمة ، وهذه الليلة مفرق كل أمر حكيم ، والمباركة : الكثيرة الخير ، لما ينتج الله فيها من الأمور التي تتعلق بها منافع العباد في دينهم ودنياهم ، ولو لم يوجد فيها إلا إنزال القرآن وحده ، لكفى به بركة . انتهى .

وقرأ الحسن ، والأعرج ، والأعمش : يفرق ، بفتح الياء وضم الراء ، كل : بالنصب ، أي يفرق الله .

وقرأ زيد بن علي ، فيما ذكر الزمخشري : نفرق بالنون ، كل بالنصب ؛ وفيما ذكر أبو على الأهوازي : عينه بفتح الياء وكسر الراء ، ونصب كل ، ورفع حكيم ، على أنه الفاعل بيفرق .

وقرأ الحسن : وزائدة عن الأعمش بالتشديد مبنياً للمفعول ، أو معنى يفرق : يفصل من غيره ويلخص .

ووصف أمر بحكيم ، أي أمر ذي حكمة ؛ وقد أبهم تعالى هذا الأمر .

وقال ابن عباس ، والحسن ، وقتادة ، ومجاهد : في ليلة القدر يفصل كل ما في العام المقبل من الأقدار والأرزاق والآجال وغير ذلك ، ويكتب ذلك إلى مثلها من العام المقبل .

وقال هلال بن أساف : كان يقال : انتظر والقضاء في رمضان .

وقال عكرمة : لفضل الملائكة في ليلة النصف من شعبان .

وجوزوا في أمراً أن يكون مفعولاً به بمنذرين لقوله : { لينذر بأساً شديداً } أو على الاختصاص .