ومن جملة بركتها ما ذكره الله سبحانه هنا بقوله : { فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ } أي يفصل ويبين من قولهم فرقت الشيء أفرقه فرقا ، والأمر الحكيم المحكم المبرم الذي لا يحصل فيه تغيير ولا نقض ، وذلك أن الله سبحانه يكتب فيها ما يكون في السنة من حياة وموت ، وبسط وقبض ، وخير وشر ، ورزق وأجل ، ونصر وهزيمة ، وخصب وقحط ، وغير ذلك من أقسام الحوادث وجزئياتها في أوقاتها وأماكنها ، ويبين ذلك للملائكة من تلك الليلة إلى مثلها من العام المقبل فيجدونه سواء ، فيزدادون بذلك إيمانا ، كذا قال مجاهد وقتادة والحسن وغيرهم .
وقيل : معنى حكيم أي مفعول على ما تقتضيه الحكمة ، وهو من إسناد المجازي ، لأن الحكيم صاحب الأمر على الحقيقة ، ووصف به الأمر مجازا ، وهذه الجملة إما صفة أخرى لليلة وما بينهما اعتراض أو مستأنفة لتقرير ما قبلها ، قرأ الجمهور يفرق بضم الياء وفتح الراء مخففا ، وقرئ بفتح الياء وضم الراء ، ونصب كل أمر ورفع حكيم على أنه الفاعل .
والحق ما ذهب إليه الجمهور من أن هذه الليلة المباركة هي ليلة القدر لا ليلة النصف من شعبان لأن الله سبحانه أجملها هنا وبينها في سورة البقرة بقوله : { شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ } وبقوله في سورة القدر { إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ } فلم يبق بعد هذا البيان الواضح ما يوجب الخلاف ، ولا ما يقتضي الاشتباه .
قال ابن عباس في الآية ( يكتب من أم الكتاب في ليلة القدر ما يكون في السنة من رزق وموت وحياة ومطر ، حتى يكتب الحاج يحج فلان ويحج فلان ) وقال ابن عمر : ( أمر السنة إلى السنة إلا الشقاوة والسعادة ، فإنه في كتاب الله لا يبدل ولا يغير " أخرجه ابن أبي حاتم ، وأخرج عبد بن حميد وغيره عنه أنه قال : ( إنك لترى الرجل يمشي في الأسواق وقد وقع اسمه في الموتى ، ففي تلك الليلة يفرق أمر الدنيا إلى مثلها من قابل من موت أو حياة أو رزق كل أمر الدنيا يفرق تلك الليلة إلى مثلها ) ، وأخرج ابن زنجويه والديلمي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يقطع الآجال من شعبان إلى شعبان حتى إن الرجل لينكح ويولد له قد خرج اسمه في الموتى ) وأخرجه ابن أبي الدنيا وابن جرير عن عثمان بن محمد ، وهذا مرسل لا تقوم به الحجة ، ولا يعارض بمثله صرائح القرآن ، وما روي في هذا فهو مرسل أو غير صحيح ، وقد أورد ذلك صاحب الدر المنثور ، وأورد ما ورد في فضل ليلة النصف من شعبان ، وذلك لا يستلزم أنها المراد بقوله في ليلة مباركة{[1478]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.