فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{فِيهَا يُفۡرَقُ كُلُّ أَمۡرٍ حَكِيمٍ} (4)

{ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ } ، ومعنى يفرق : يفصل ويبين من قولهم : فرقت الشيء أفرقه فرقاً ، والأمر الحكيم : المحكم ، وذلك أن الله سبحانه يكتب فيها ما يكون في السنة من حياة وموت ، وبسط وقبض ، وخير وشرّ ، وغير ذلك ، كذا قال مجاهد وقتادة والحسن وغيرهم . وهذه الجملة إما صفة أخرى لليلة ، وما بينهما اعتراض ، أو مستأنفة لتقرير ما قبلها . قرأ الجمهور { يفرق } بضمّ الياء ، وفتح الراء مخففاً ، وقرأ الحسن والأعمش والأعرج بفتح الياء وضم الراء ، ونصب كل أمر ، ورفع حكيم على أنه الفاعل . والحق ما ذهب إليه الجمهور من أن هذه الليلة المباركة هي ليلة القدر لا ليلة النصف من شعبان ، لأن الله سبحانه أجملها هنا ، وبينها في سورة البقرة بقوله : { شَهْرُ رَمَضَانَ الذي أُنزِلَ فِيهِ القرآن } [ البقرة : 185 ] وبقوله في سورة القدر : { إِنَّا أنزلناه في لَيْلَةِ القدر } [ القدر : 1 ] ، فلم يبق بعد هذا البيان الواضح ما يوجب الخلاف ، ولا ما يقتضي الاشتباه .

/خ16