وقوله : فَوَقاهُمُ اللّهُ شَرّ ذلكَ اليَوْمِ وَلَقّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورا يقول جلّ ثناؤه : فدفع الله عنهم ما كانوا في الدنيا يحذرون من شرّ اليوم العبوس القمطرير بما كانوا في الدنيا يعملون مما يرضى عنهم ربهم ، لقّاهم نضرة في وجوههم ، وسرورا في قلوبهم . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن علية ، عن أبي رجاء ، عن الحسن ، في قوله : وَلَقّاهُمْ نَضْرَةً وسُرُورا قال : نَضْرة في الوجوه ، وسرورا في القلوب .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَلَقّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورا نضرة في وجوههم ، وسرورا في قلوبهم .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَلَقّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورا قال : نعمة وسرورا .
تفريع على قوله : { يُوفُون بالنذر إلى قمطريراً } [ الإنسان : 7 10 ] .
وفي هذا التفريع تلوين للحديث عن جزاء الأبرار وأهل الشُكور ، وهذا برزخ للتخلص إلى عَود الكلام على حسن جزائهم أن الله وقاهم شرّ ذلك اليوم وهو الشر المستطير المذكور آنفاً ، وقاهم إياه جزاءً على خوفهم إياه وأنه لقاهم نضرة وسروراً جزاء على ما فعلوا من خير .
وأُدمج في ذلك قوله : { بما صبروا } الجامع لأحوال التقوى والعمل الصالح كله لأن جميعه لا يخلو عن تحمل النفس لترك محبوب أو فعل ما فيه كلفة ، ومن ذلك إطعام الطعام على حبه .
و { لقَّاهم } معناه : جعلهم يَلْقَون نضرة وسروراً ، أي جعل لهم نضرة وهي حسن البشَرة ، وذلك يحصل من فرح النفس ورفاهية العيش قال تعالى : { وجوه يومئذٍ ناضرة } [ القيامة : 22 ] فمُثل إلقاء النضرة على وجوههم بزجّ أحد إلى لقاء أحد على طريقة التمثيل .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
فشكر الله أمرهم، فقال: {فوقاهم الله شر ذلك اليوم} يعني يوم القيامة شر جهنم.
{ولقاهم نضرة وسرورا} نضرة في الوجوه وسرورا في القلوب.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
فدفع الله عنهم ما كانوا في الدنيا يحذرون من شرّ اليوم العبوس القمطرير بما كانوا في الدنيا يعملون مما يرضى عنهم ربهم، لقّاهم نضرة في وجوههم، وسرورا في قلوبهم. قال ابن زيد، في قوله:"وَلَقّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورا "قال: نعمة وسرورا.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{فوقاهم الله شر ذلك اليوم} فجائز أن تكون الوقاية منصرفة إلى الموعود في ذلك اليوم من العقوبة والنكال لا أن يكونوا وقوا من هول ذلك اليوم، فلا يرون الجحيم ولا أهوالها.
وجائز أن يكون وقاهم عما كانوا يخافون من التبعة لدى الحساب كقوله تعالى: {إني ظننت أني ملاق حسابيه} [الحاقة: 20] فكأنهم يخافون على أنفسهم المناقشة في الحساب؛ فإذا رأوا سيئاتهم مغفورة وحسناتهم متقبلة سروا بذلك، ووقوا شره.
وجائز أن يكونوا أومنوا من أهوال القيامة وأفزاعها حين نشروا من القبور، وتلقتهم الملائكة بالبشارة كما قال: {إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون} [الأنبياء: 101].
{ولقاهم نضرة وسرورا} فالسرور عبارة عن انتفاء الحزن عنهم، والنضرة أثر كل نعيم.
النكت و العيون للماوردي 450 هـ :
أحدها: أنها البياض والنقاء، قاله الضحاك.
الثاني: أنها الحسن والبهاء، قاله ابن جبير.
الثالث: أنها أثر النعمة، قاله ابن زيد.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{ولقاهم نَضْرَةً وَسُرُوراً} أي: أعطاهم بدل عبوس الفجار وحزنهم نضرة في الوجوه وسروراً في القلوب، وهذا يدل على أنّ اليوم موصوف بعبوس أهله.
اعلم أنه تعالى لما حكى عنهم أنهم أتوا بالطاعات لغرضين: طلب رضا الله والخوف من القيامة، بين في هذه الآية أنه أعطاهم هذين الغرضين، أما الحفظ من هول القيامة، فهو المراد بقوله: {فوقاهم الله شر ذلك اليوم} وسمى شدائدها شرا توسعا على ما علمت، واعلم أن هذه الآية أحد ما يدل على أن شدائد الآخرة لا تصل إلا إلى أهل العذاب. وأما طلب رضاء الله تعالى فأعطاهم بسببه نضرة في الوجه وسرورا في القلب.
الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي 875 هـ :
والنضرة: جمال البشرة وذلك لا يكون إلاَّ مع فرح النفس وقرة العين.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما كان فعلهم هذا خالصاً لله، سبب عنه جزاءهم فقال مخبراً أنه دفع عنهم المضار وجلب لهم المسار: {فوقاهم الله} أي الملك الأعظم بسبب خوفهم {شر ذلك اليوم} أي العظيم، وأشار إلى نعيم الظاهر بقوله: {ولقّاهم} أي تلقية عظيمة فيه وفي غيره {نضرة} أي حسناً ونعمة تظهر على وجوههم وعيشاً هنيئاً، وإلى نعيم الباطن بقوله: {وسروراً} أي دائماً في قلوبهم في مقابلة خوفهم في الدنيا وعبوس الكفار في الآخرة وخزيهم.