{ وَأَلْقَوْاْ إلى الله يَوْمَئِذٍ السلم وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } ، أي : وألقى المشركون يوم القيامة { السلم } ، أي : الاستسلام والخضوع والانقياد ، لقضاء الله - تعالى - العادل فيهم ، وغاب وذهب عنهم ما كانوا يفترونه ويزعمونه في الدنيا من أن آلهتهم ستشفع لهم ، أو ستنفعهم يوم القيامة .
وقيل : إن الضمير في قوله - تعالى - : { وألقوا } ، يعود على المشركين وشركائهم ، أي : استسلم العابدون والمعبودون ، وانقادوا لحكم الله الواحد القهار فيهم .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَأَلْقَوْاْ إِلَىَ اللّهِ يَوْمَئِذٍ السّلَمَ وَضَلّ عَنْهُم مّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } .
يقول تعالى ذكره : وألقى المشركون إلى الله يومئذ السلم يقول : استسلموا يومئذ وذَلّوا لحكمه فيهم ، ولم تغن عنهم آلهتهم التي كانوا يدعون في الدنيا من دون الله ، وتبرأت منهم ، ولا قومهم ، ولا عشائرُهم الذين كانوا في الدنيا يدافعون عنهم . والعرب تقول : ألقيت إليه كذا ، تعني بذلك : قلت له . وقوله : { وَضَلّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ } ، يقول : وأخطأهم من آلهتهم ما كانوا يَأْملون من الشفاعة عند الله بالنجاة .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وألْقَوْا إلى اللّهِ يَوْمَئِذٍ السّلَمَ يقول : ذلوا واستسلموا يومئذ وَضَلّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ .
وقوله : { وألقوا إلى الله } ، الضمير في { ألقوا } عائد على المشركين ، والمعنى : ألقوا إليه الاستسلام ، وألقوا ما بأيديهم وذلوا لحكمه ، ولم تكن لهم حيلة ولا دفع ، و { السلم } : الاستسلام ، وقرأ الجمهور «السلَم » ، بفتح اللام ، وروى يعقوب عن أبي عمرو سكون اللام ، وقرأ مجاهد : «السُّلُم » : بضم السين واللام ، وقوله : { وضل عنهم } ، معناه : وتلف عنهم كذبهم على الله وافتراؤهم الكفر والتشريك .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{وألقوا إلى الله يومئذ السلم}، يعني: استسلموا له وخضعوا له، {وضل عنهم} في الآخرة،
{ما كانوا يفترون}، يعني: يشركون من الكذب في الدنيا بأن مع الله شريكا.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
تعالى ذكره: وألقى المشركون إلى الله "يومئذ السلم "يقول: استسلموا يومئذ وذَلّوا لحكمه فيهم، ولم تغن عنهم آلهتهم التي كانوا يدعون في الدنيا من دون الله، وتبرأت منهم، ولا قومهم، ولا عشائرُهم الذين كانوا في الدنيا يدافعون عنهم. والعرب تقول: ألقيت إليه كذا، تعني بذلك: قلت له.
{وَضَلّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ}، يقول: وأخطأهم من آلهتهم ما كانوا يَأْملون من الشفاعة عند الله بالنجاة...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{وألقوا إلى الله يومئذ السلم}، أي: يخضعون كلهم لله يومئذ، ويخلصون له الدين، ويسلمون له الأمر والألوهية...
{وضل عنهم ما كانوا يفترون}، أي: بطل عنهم ما طمعوا بعبادتهم الأصنام والأوثان التي عبدوها من الشفاعة وغيرها، كقولهم: {ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى} (الزمر: 3). وقولهم: {هؤلاء شفعاؤنا عند الله} (يونس: 18)، بطل عنهم ما طمعوا ورجوا من عبادة أولئك من الشفاعة لهم والقربة إلى الله...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{وَأَلْقَوْاْ}، يعني: الذين ظلموا. وإلقاء السلم: الاستسلام لأمر الله وحكمه بعد الإباء والاستكبار في الدنيا...
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
وقوله: {وألقوا إلى الله}، الضمير في {ألقوا} عائد على المشركين، والمعنى: ألقوا إليه الاستسلام، وألقوا ما بأيديهم وذلوا لحكمه، ولم تكن لهم حيلة ولا دفع، و {السلم}: الاستسلام...
وقوله: {وضل عنهم}، معناه: وتلف عنهم كذبهم على الله وافتراؤهم الكفر والتشريك.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
لك أن تجعل فعل {ألقوا} الثاني مماثلاً لفعل « ألقوا» السابق. ولك أن تجعل الإلقاء تمثيلاً لحالهم بحال المحارب إذا غُلب إذ يلقي سلاحه بين يدي غالبه، ففي قوله: {ألقوا} مكنية تمثيلية مع ما في لفظ {ألقوا} من المشاكلة.
و {السلم} بفتح اللام: الاستسلام، أي الطاعة وترك العناد.
{وضل عنهم ما كانوا يفترون} أي غاب عنهم وزايلهم ما كانوا يفترونه في الدنيا من الاختلافات للأصنام من أنها تسمع لهم ونحو ذلك.
السلم: أي الاستسلام.. فقد انتهى وقت الاختيار ومضى زمن المهلة، تعمل أو لا تعمل. إنما الآن (لمن الملك اليوم)؟ الأمر والملك لله، وما داموا لم يسلموا طواعية واختياراً، فليسلموا له قهراً ورغماً عن أنوفهم.
وهنا تتضح لنا ميزة من ميزات الإيمان، فقد جعلني أستسلم لله عز وجل مختاراً، بدل أن أستسلم قهراً يوم أن تتكشف الحقيقة على أنه لا إله إلا الله، وسوف يواجهني سبحانه وتعالى في يوم لا اختيار لي فيه.
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
فاستسلموا إليه من موقع العجز، بعد أن كانوا يرفضون الانقياد لأوامره ونواهيه في الدنيا، في ظل حرية الإرادة التي منحهم إياها في حركة الطاعة والمعصية، وكانوا يستعينون بالطغاة والبغاة ويستقوون في مواجهة الأنبياء والمصلحين، أما الآن فلا شيء لديهم من القوّة الذاتية أو الخارجية، ولا يملكون من حرية الحركة في ما يريدون شيئاً. إن الموقف هو موقف الاستسلام والانقياد والعجز المطلق أمام القوة الإلهية القاهرة المطلقة،...
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
لأنّ غرور وتعصب الجاهلين قد أُزيل برؤية الحق الذي لا مفرّ من تصديقه والإِذعان إِليه...