اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَأَلۡقَوۡاْ إِلَى ٱللَّهِ يَوۡمَئِذٍ ٱلسَّلَمَۖ وَضَلَّ عَنۡهُم مَّا كَانُواْ يَفۡتَرُونَ} (87)

قوله : { وَأَلْقَوْاْ إلى الله يَوْمَئِذٍ السلم } ، العامة على فتح السين واللام .

وقرأ أبو عمرو{[20020]} في رواية : بسكون اللام ، ومجاهد : بضمِّ السين{[20021]} واللام ، وكأنَّه جمع سلام ؛ نحو : قُذال وقُذُل ، والسَّلاَمُ والسَّلَمُ واحد ، وقد تقدَّم الكلام عليهما في سورة النساء .

فصل

والمعنى : أن المشركين إذا رأوا تلك الشُّركاء ، { قَالُواْ رَبَّنَا هؤلاء شُرَكَآؤُنَا الذين كُنَّا نَدْعُوْا مِن دُونِك } ، وفائدة هذا القول من وجهين :

الأول : قال أبو مسلم - رحمه الله- : " مقصود المشركين إحالةُ الذَّنب على الأصنام ؛ ظنًّا منهم أن ذلك ينجيهم من عذاب الله ، أو ينقص من عذابهم ، عند هذا تكذِّبهم تلك الأصنام " .

قال القاضي{[20022]} : " هذا بعيدٌ ؛ لأن الكفار يعلمون علماً ضروريًّا في الآخرة أنَّ العذاب ينزل بهم ، ولا ينفعهم فدية ولا شفاعة " .

والثاني : أن المشركين يقولون هذا الكلام تعجُّباً من حضور تلك الأصنام ، مع أنه لا ذنب لها ، واعترافاً بأنَّهم كانوا مخطئين في عبادتها .

ثم حكى - تعالى - أنَّ الأصنام يكذبونهم ، فقال : { فَألْقَوْا إِلَيْهِمُ القول إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ } ، والمعنى : أنه - تعالى - يخلق الحياة والعقل والنطق في تلك الأصنام فيلقوا إليهم ، أي : يقولون لهم : " إنَّكُم لكَاذِبُونَ " .

فإن قيل : إن المشركين لم يقولوا ، بل أشاروا إلى الأصنام ، فقالوا : هؤلاء شركاؤنا الذين كنَّا ندعو من دونك ، وقد كانوا صادقين في كلِّ ذلك ، فكيف قالت الأصنام " إنَّكم لكَاذبُونَ " ؟ . فالجواب من وجوه : أصحها : أن المراد من قولهم : " هؤلاء شُركاؤنَا " ، أي : أنَّ هؤلاء هم الَّذين كنَّا نقول : إنهم شركاء الله في المعبودية ، فالأصنام كذَّبوهم في إثبات هذه الشركة . وقيل : المراد : إنَّهم لكاذبون في قولهم : إنَّا نستحقُّ العذاب بدليل قوله - تعالى - : { كَلاَّ سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ } [ مريم : 82 ] . ثم قال : { وَأَلْقَوْاْ إلى الله يَوْمَئِذٍ السلم } ، قال الكلبي : استسلم العابد والمعبود ، وأقرُّوا لله بالرُّبوبية وبالبراءة عن الشركاء والأنداد . وقيل : استسلم المشركون يومئذ إلى الله تعالى وإنفاذ الحكمة فيهم ، ولم تغنِ عنهم آلهتهم شيئاً . { وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } : زال عنهم ما كانوا يفترون من أنَّها تشفع لهم عند الله ، وقيل : ذهب ما زيَّن لهم الشيطان من أن لله صاحبة وشريكاً .


[20020]:ينظر: البحر 5/510، والمحرر 8/491، والدر 4/354.
[20021]:ينظر: البحر 5/510 ، والدر المصون 4/354.
[20022]:ينظر: الفخر الرازي 20/78.