قوله تعالى : { فانطلقا } يمشيان على الساحل يطلبان سفينة يركبانها ، فوجدا سفينة فركباها ، فقال أهل السفينة : هؤلاء لصوص ، وأمروهما بالخروج ، فقال صاحب السفينة : ما هم بلصوص ، ولكني أرى وجوه الأنبياء . وروينا عن أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم : " مرت بهم سفينة فكلموهم أن يحملوهم فعرفوا الخضر ، فحملوهم بغير نول ، فلما لججوا البحر أخذ الخضر فأساً فخرق لوحاً من السفينة " . { حتى إذا ركبا في السفينة خرقها قال } له موسى { أخرقتها لتغرق أهلها } ، قرأ حمزة والكسائي : ليغرق بالياء وفتحها وفتح الراء ، أهلها بالرفع على اللزوم ، وقرأ الآخرون : بالتاء ورفعها وكسر الراء أهلها بالنصب على أن الفعل للخضر . { لقد جئت شيئاً إمراً } أي : منكراً ، والإمر في كلام العرب الداهية ، وأصله : كل شيء شديد كثير ، يقال : أمر القوم : إذا كثروا ، واشتد أمرهم . وقال القتيبي : إمراً أي : عجباً . وروي أن الخضر لما خرق السفينة لم يدخلها الماء . وروي أن موسى لما رأى ذلك أخذ ثوبه فحشى به الخرق . وروي أن الخضر أخذ قدحاً من الزجاج ورقع به خرق السفينة .
ثم تحكى السورة بعد ذلك ثلاثة أحداث فعلها الخضر ولكن موسى لم يصبر عليها ، بل اعترض وناقش ، أما الحادث الأول فقد بينه - سبحانه - بقوله : { فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً . . . } . وقوله : { فانطلقا } بيان لما حدث منهما بعد أن استمع كل واحد منهما إلى ما قاله صاحبه .
أى ؛ فانطلق موسى والخضر - عليهما السلام - على ساحل البحر ، ومعهما يوشع بن نون ، ولم يذكر فى الآية لأنه تابع لموسى .
ويرى بعضهم أن موسى - عليه السلام - صرف فتاه بعد أن التقى بالخضر .
أخرج الشيخان عن ابن عباس : أنهما انطلقا يمشيان على ساحل البحر فمرت بهما سفينة فكلموهم أن يحملوهم ، فعرفوا الخضر فحملوهما بغير نَوْلٍ : أى أجر ، .
وقوله : { حتى إِذَا رَكِبَا فِي السفينة خَرَقَهَا } بيان لما فعله الخضر بالسفينة .
أى : فانطلقا يبحثان عن سفينة ، فلما وجداها واستقرا فيها ، ما كان من الخضر إلا أن خرقها . قيل : بأن قلع لوحا من ألواحها .
وهنا ما كان من موسى إلا أن قال له على سبيل الاستنكار والتعجب مما فعله : { أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا . . } . أى : أفعلت ما فعلت لتكون عاقبة الراكبين فيها الغرق والموت بهذه الصورة المؤلمة ؟
{ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً } ، والإِمْر : الداهية . وأصله كل شئ شديد كبير ، ومنه قولهم : إن القوم قد أَمِرُوا . أى : كثُروا واشتد شأنهم . ويقال : هذا أَمْرُ إِمْرُ ، أى : منكر غريب .
أى : قال موسى للخضر بعد خرقه للسفينة : لقد جئت شيئا عظيما ، وارتكبت أمرا بالغا فى الشناعة . حيث عرضت ركاب السفينة لخطر الغرق .
يقول تعالى مخبرًا عن موسى وصاحبه ، وهو الخضر ، أنهما انطلقا لما توافقا واصطحبا ، واشترط عليه ألا يسأله عن شيء أنكره حتى يكون هو الذي يبتدئه{[18335]} من تلقاء نفسه بشرحه وبيانه ، فركبا في السفينة . وقد تقدم في الحديث كيف ركبا في السفينة ، وأنهم عرفوا الخضر ، فحملوهما بغير نول - يعني بغير أجرة - تكرمة للخضر . فلما استقلت بهم السفينة في البحر ، ولججت أي : دخلت اللجة ، قام الخضر فخرقها ، واستخرج لوحًا من ألواحها{[18336]} ثم رقعها . فلم يملك موسى ، عليه السلام ، نفسه أن قال منكرًا عليه : { أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا } . وهذه اللام لام العاقبة لا لام التعليل ، كما قال الشاعر{[18337]} :
لدُوا للْمَوت وابْنُوا للخَرَاب
{ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا } قال مجاهد : منكرًا . وقال قتادة عجبًا .
وقوله { فانطلقا } روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنهما انطلقا ماشيين على سيف البحر حتى مرت بهما سفينة ، فعرف الخضر فحملا بغير قول إلى مقصد أمه الخضر ، وعرفت { السفينة } بالألف واللام تعريف الجنس لا لعهد عينها ، فلما ركبا عمد الخضر إلى وتد فجعل يضرب في جنب السفينة حتى قلع به ، فيما روي لوحين من ألواحها فذلك هو معنى { خرقها } فلما رأى ذلك موسى غلبه ظاهر الأمر على الكلام حين رأى فعلاً يؤدي إلى غرفة جميع من في السفينة ، فوقفه بقوله { أخرقتها } وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وعاصم «لتغرق أهلها » بالتاء وقرأ أبو رجاء «لتغَرِّق » بشد الراء وفتح الغين ، وقرأ حمزة والكسائي «ليغرق أهلُها » برفع الأهل ، وإسناد الفعل إليهم و «الإمر » الشنيع من الأمور كالداهية والإد ونحوه ، ومنه أمر إمْر ابن أبي كبشة{[1]} ومنه أمر القوم إذا كثروا ، وقال مجاهد «الإمر » المنكر .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.