ثم بين - سبحانه - فى ختام السورة حقيقة أمر أولئك الكافرين فقال : { أَلاَ إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَآءِ رَبِّهِمْ أَلاَ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطٌ } .
أى : ألا إن هؤلاء المشركين فى مرية وشك وريبة من لقاء ربهم يوم القيامة ، لإِنكارهم البعث والحساب والجزاء . .
ألا إنه - سبحانه - بكل شئ محيط إحاطة تامة لا يخفى عليه شئ فى الأرض ولا فى السماء .
وسيجمعهم يوم القيامة للحساب والجزاء ، ولن يستطيعوا النجاة من ذلك .
وبعد : فهذا تفسير لسورة " فصلت " نسأل الله - تعالى - أن يجعله خالصا لوجهه ، ونافعا لعباده ، والحمد لله الذى بنعمته تتم الصالحات .
وقوله : { أَلا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَاءِ رَبِّهِمْ } أي : في شك من قيام الساعة ؛ ولهذا لا يتفكرون فيه ، ولا يعملون له ، ولا يحذرون منه ، بل هو عندهم هَدَرٌ لا يعبئون به وهو واقع لا ريب فيه وكائن لا محالة .
قال ابن أبي الدنيا : حدثنا أحمد بن إبراهيم ، حدثنا خلف بن تميم ، حدثنا عبد الله بن محمد بن سعيد الأنصاري : أن عمر بن عبد العزيز صَعد المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : أما بعد ، أيها الناس ، فإني لم أجمعكم لأمر أحدثه فيكم ، ولكن فكرت في هذا الأمر الذي أنتم إليه صائرون ، فعلمت أن المصدق بهذا الأمر أحمق ، والمكذب به هالك ثم نزل .
ومعنى قوله ، رضي الله عنه : " أن المصدق به أحمق " أي : لأنه لا يعمل له عمل مثله ، ولا يحذر منه ولا يخاف من هوله ، وهو مع ذلك مصدق به موقن بوقوعه ، وهو مع ذلك يتمادى في لعبه وغفلته وشهواته وذنوبه ، فهو أحمق بهذا الاعتبار ، والأحمق في اللغة : ضعيف العقل .
وقوله : " والمكذب به هالك " هذا واضح ، والله أعلم .
ثم قال تعالى - مقررا على أنه على كل شيء قدير ، وبكل شيء محيط ، وإقامة الساعة لديه يسير سهل عليه تبارك وتعالى - : { أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ } أي : المخلوقات كلها تحت قهره وفي قبضته ، وتحت طي علمه ، وهو المتصرف فيها كلها بحكمه ، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن . [ آخر تفسير سورة فصلت ] {[25756]} .
وقوله : { ألا } استفتاح يقتضي إقبال السامع على ما يقال له ، فاستفتح الإخبار على أنهم في شك وريب وضلال أداهم إلى الشك في البعث .
وقرأ جمهور الناس : «في مِرية » بكسر الميم . وقرأ أبو عبد الرحمن والحسن : «في مُرية » بضم الميم ، والمعنى واحد ، ثم استفتح الإخبار بإحاطته بكل شيء على معنى الوعيد لهم ، وإحاطته تعالى هي بالقدرة والسلطان ، لا إله إلا هو ، العزيز الحكيم .
تذييلان للسورة وفذلكتان افتتحا بحرف التنبيه اهتماماً بما تضمناه . فأما التذييل الأول فهو جُماع ما تضمنته السورة من أحوال المشركين المعاندين إذ كانت أحوالهم المذكورة فيها ناشئة عن إنكارهم البعث فكانوا في مأمن من التفكير فيما بعد هذه الحياة ، فانحصرت مساعيهم في تدبير الحياة الدّنيا وانكبُّوا على ما يعود عليهم بالنفع فيها . وضمير { إنهم } عائد إليهم كما عاد ضمير الجمع في { سنريهم } [ فصلت : 53 ] .
وأما التذييل الثاني فهو جامع لكل ما تضمنته السورة من إبطاللٍ لأقوالهم وتقويممٍ لاعوجاجهم ، لأن ذلك كله من آثار علم الله تعالى بالغيب والشهادة . وتأكيد الجملتين بحرف التأكيد مع أن المخاطب بهما لا يشكّ في ذلك لقصد الاهتمام بهما واستدعاء النّظر لاستخراج ما تحويانه من المعاني والجزئيات .
والمرية بكسر الميم وهو الأشهر فيها واتفقت عليه القراءات المتواترة ، وبكسر الميم وهو لغة مثل : خِفْية وخُفية . والمرية : الشك . وحرف الظرفية مستعار لتمكن الشك بهم حتى كأنّهم مظروفون فيه و { مِنْ } ابتدائية وتعدى بها أفعال الشك إلى الأمر المشكوك فيه بتنزيل متعلق الفعل منزلة مثار الفعل بتشبيه المفعول بالمَنشإ كأن الشك جاء من مكان هو المشكوك فيه .
وفي تعليقه بذات الشيء مع أن الشك إنما يتعلق بالأحكام مبالغة على طريقة إسناد الأمور إلى الأعيان والمرادُ أوصافها ، فتقدير { في مرية من لقاء ربهم } : في مرية من وقوع لقاء ربّهم وعدممِ وقوعه كقوله تعالى : { وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا } [ البقرة : 23 ] أي في ريب من كونه منزلاً . وأطلق الشك على جزمهم بعدم وقوع البعث لأن جزمهم خلي عن الدّليل الذي يقتضيه ، فكان إطلاق الشك عليه تعريضاً بهم بأن الأوْلى بهم أن يكونوا في شك على الأقل .
ووصف الله بالمحيط مجاز عقلي لأن المحيط بكل شيء هو علمه فأسندت الإحاطة إلى اسم الله لأن ( المحيط ) صفة من أوصافه وهو العلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.