المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَإِذَآ أَنۡعَمۡنَا عَلَى ٱلۡإِنسَٰنِ أَعۡرَضَ وَنَـَٔا بِجَانِبِهِۦ وَإِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ فَذُو دُعَآءٍ عَرِيضٖ} (51)

51- وإذا أنعمنا على الإنسان تولى عن شكرنا ، وبعد بجانبه عن ديننا ، وإذا مسه الشر فهو ذو دعاء كثير .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَإِذَآ أَنۡعَمۡنَا عَلَى ٱلۡإِنسَٰنِ أَعۡرَضَ وَنَـَٔا بِجَانِبِهِۦ وَإِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ فَذُو دُعَآءٍ عَرِيضٖ} (51)

قوله تعالى : { وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه وإذا مسه الشر فذو دعاء عريض } كثير . والعرب تستعمل الطول والعرض في الكثرة . يقال : أطال فلان الكلام والدعاء وأعرض ، أي : أكثر .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَإِذَآ أَنۡعَمۡنَا عَلَى ٱلۡإِنسَٰنِ أَعۡرَضَ وَنَـَٔا بِجَانِبِهِۦ وَإِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ فَذُو دُعَآءٍ عَرِيضٖ} (51)

ثم أكد - سبحانه - ما ذكره من حالات الإِنسان فقال : { وَإِذَآ أَنْعَمْنَا عَلَى الإنسان } بنعمة من نعمنا التى توجب عليه شكرنا وطاعتنا .

{ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ } أى : أعرض عن شكرنا وطاعتنا ، وتكبر وتفاخر على غيره وادعى أن هذه النعمة من كسبه واجتهاده .

وقوله { وَنَأَى بِجَانِبِهِ } كناية عن الانحراف والتكبر والصلف والبطر .

والنأْى البعد . يقال : نأى فلان عن مكان كذا ، إذا تباعد عنه .

وقوله - تعالى - : { وَإِذَا مَسَّهُ الشر فَذُو دُعَآءٍ عَرِيضٍ } بيان لحالة هذا الإِنسان فى حالة الشدة والضر .

أى : هكذا حالة هذا الإِنسان الجاحد ، فى حالة إعطائنا النعمة له يتكبر ويغتر ويجحد .

وفى حالة إنزال الشدائد به يتضرع ويتذلل إلينا بالدعاء الكثير الواسع .

وفى معنى هذه الآيات الكريمة ، جاءت آيات كثيرة ، منها قوله - تعالى - : { كَلاَّ إِنَّ الإنسان ليطغى . أَن رَّآهُ استغنى } وقوله - تعالى - : { إِنَّ الإنسان خُلِقَ هَلُوعاً . إِذَا مَسَّهُ الشر جَزُوعاً . وَإِذَا مَسَّهُ الخير مَنُوعاً }

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَإِذَآ أَنۡعَمۡنَا عَلَى ٱلۡإِنسَٰنِ أَعۡرَضَ وَنَـَٔا بِجَانِبِهِۦ وَإِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ فَذُو دُعَآءٍ عَرِيضٖ} (51)

ثم قال : { وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الإنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ } أي : أعرض عن الطاعة ، واستكبر عن الانقياد لأوامر الله ، عز وجل ، كقوله تعالى : { فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ } [ الذاريات : 39 ] .

{ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ } أي : الشدة ، { فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ } أي : يطيل المسألة في الشيء الواحد فالكلام العريض : ما طال لفظه وقل معناه ، والوجيز : عكسه ، وهو : ما قل ودل . وقد قال تعالى : { وَإِذَا مَسَّ الإنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا{[25753]} فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ } [ يونس : 12 ] .


[25753]:- (1) في ت، س: "أو قائما أو قاعدا" وهو خطأ.
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَإِذَآ أَنۡعَمۡنَا عَلَى ٱلۡإِنسَٰنِ أَعۡرَضَ وَنَـَٔا بِجَانِبِهِۦ وَإِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ فَذُو دُعَآءٍ عَرِيضٖ} (51)

{ وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض } عن الشكر . { ونأى بجانبه } وانحرف عنه أو ذهب بنفسه وتباعد عنه بكليته تكبرا ، والجانب مجاز عن النفس كالجنب في قوله : { في جنب الله } . { وإذا مسه الشر فذو دعاء عريض } كثير مستعار مما له عرض متسع للإشعار بكثرته واستمراره ، وهو أبلغ من الطويل إذ الطول أطول الامتدادين ، فإذا كان عرضه كذلك فما ظنك بطوله ؟

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَإِذَآ أَنۡعَمۡنَا عَلَى ٱلۡإِنسَٰنِ أَعۡرَضَ وَنَـَٔا بِجَانِبِهِۦ وَإِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ فَذُو دُعَآءٍ عَرِيضٖ} (51)

ذكر الله تعالى الخلق الذميمة من الإنسان جملة ، وهي في الكفار بينه متمكنة ، وأما المؤمن في الأغلب فيشكر عند النعمة ، وكثيراً ما يصبر عند الشدة .

وقرأ جمهور والناس : «ونأى بجانبه » الهمزة عين الفعل . وقرأ ابن عامر : «وناء » الهمزة لام الفعل ، وهي قراءة أبي جعفر ، والمعنى فيهما واحد . قال أبو علي : ناء قلب ابن آدم فعل فلع ، ومنه قول الشاعر [ كثير ] : [ الطويل ]

وكل خليل راءني فهو قائل . . . من اْجِلِك هذا هامة اليوم أو غد{[10099]}

ومنه قول الآخر : [ الطويل ]

وقد شاءني أهل السباق وأمعنوا{[10100]} . . .

{ ونأى } معناه : بعد ولم يمل إلى شكر ولا طاعة .

وقوله : { فذو دعاء عريض } أي طويل أيضاً ، فاستغنى بالصفة الواحدة عن لزيمتها ، إذ العرض يقتضي الطول ويتضمنه ، ولم يقل طويل ، لأن الطويل قد لا يكون عريضاً ، ف { عريض } أدل على الكثرة .


[10099]:البيت لكثير عزة، وهو كثير بن عبد الرحمن بن أبي جمعة، وعزة صاحبته، وقد نسب إليها، وهي من ضمرة، وبشعره فيها أصبح من عشاق العرب المشهورين، والبيت في الديوان، وفي اللسان (هوم)، والخليل: الصديق الخالص (فعيل بمعنى مفاعل) وراءني: مقلوب رآني، وهو موضع الشاهد هنا، والعرب تقول: رآني فلان بوزن رعاني، وتقول: راءني بوزن راعني، كما تقول: نأى فلان عني ينأى إذا بعد، وناء عني بوزن باع على القلب. (راجع اللسان في المادتين)، والهامة: الرأس، والجمع: هام، وكانت العرب تزعم أن روح القتيل الذي لم يدرك بثأره تصير هامة فتزقو عند قبره وتقول: اسقوني، اسقوني، فإذا أدرك بثأره طارت، وكانوا يقولون: إن القتيل تخرج هامة من هامته فلا تزال تقول: اسقوني، اسقوني حتى يقتل قاتله، ومنه قول ذي الإصبع العدواني: يا عمرو إلا تدع شتمي ومنقصتي أضربك حتى تقول الهامة اسقوني ويقال: هذا هامة اليوم أو غد، أي يموت اليوم أو غدا، وهذا معنى قول كثير في البيت: (هذا هامة اليوم أوغد)، والمعنى: إن كل صديق مخلص رآني يقول: إني لا محالة سأموت اليوم أو غدا.
[10100]:يستشهد ابن عطية بهذا الشطر من الشعر على أن (شاءني) مقلوب (شآني). وهذا موجود في القاموس المحيط. قال: (شاءني: سبقني... يشوء ويشيء، قلب شآني)، ونفهم من هذا أن معنى (شاءني) هو سبقني، وأنه مقلوب (شآني) على وزن رعاني، وأنكر صاحب التاج عليه حكاية القلب هذه فقال: (وزعم أنه مقلوب ل شأى يشئى- على وزن رمى يرمي- وهذا غلط لأن مادة (شأى) مهموز العين). هذا ولم نجد هذا الشطر في كتب المفسرين ولا في كتب اللغة التي بين أيدينا- ولم نقف على قائله.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَإِذَآ أَنۡعَمۡنَا عَلَى ٱلۡإِنسَٰنِ أَعۡرَضَ وَنَـَٔا بِجَانِبِهِۦ وَإِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ فَذُو دُعَآءٍ عَرِيضٖ} (51)

هذا وصف وتذكير بضرب آخر من طغيان النفس الإنسانية غير خاص بأهل الشرك بل هو منبث في جميع النّاس على تفاوتٍ إلاَّ من عصم الله . وهو توصيف لنَزَق النفْس الإنساني وقلّة ثباته فإذا أصابته السراء طغا وتكبر ونسِي شكر ربّه نسياناً قليلاً أو كثيراً وَشُغل بلذاته ، وإذا أصابته الضراء لم يصبر وجزِع ولجأ إلى ربّه يُلحّ بسؤال كشف الضراء عنه سريعاً . وفي ذكر هذا الضرب تعرُّض لفعل الله وتقديره الخَلتين السراء والضراء . وهو نقد لسُلوك الإنسان في الحالتين وتعجيب من شأنه . ومحل النقد والتعْجيب من إعراضه ونأيه بجانبه واضح ، وأمّا محل الانتقاد والتعجيب من أنّه ذو دُعاء عريض عندما يمسه الشرّ فهو من حيث لم يتذكر الإقبالَ على دعاء ربّه إلا عندما يمَسُّه الشر وكان الشأن أن لا يغفل عن ذلك في حال النعمة فيدعو بدوامها ويشكر ربّه عليها وقبوللِ شكره لأن تلك الحالة أولى بالعناية من حالة مسّ الضر .

وأما ما تقدم من قوله : { لا يسأم الإنسان من دعاء الخير } إلى قوله : { للحسنى } [ فصلت : 49 ، 50 ] فهو وصف لضرب آخر أشدّ ، وهو خاص بأهل الشرك لِما وقع فيه من قوله : { وما أظن الساعة قائمة } [ الكهف : 36 ] ، فليس قوله : { وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونئا بجانبه } الخ تكريراً مع قوله : { لا يسأم الإنسان } [ فصلت : 49 ] الآية . فهذا التفنن في وصف أحوال الإنسان مع ربّه هو الذي دعا إلى ما اشتمل عليه قوله : { وإذا أنعمنا } من بعض التكرير لِما ذكر في الضرب المتقدم لزيادة تقريره ، وللإشارة إلى اختلاف الحالتين باعتبار الشرك وعدمه مع اتحادهما في مثار الجبلة الإنسانية ، وباعتبار ما قدره الله للإنسان .

والإعراض : الانصراف عن شيء ، وهو مستعار هنا للغفلة عن شكر المنعم أو التعمد لترك الشكر .

ومتعلق فعل { أعرض } محذوف لدلالة السياق عليه ، والتقدير : أعرض عن دعائنا .

والنأي : البعد ، وهو هنا مستعار لعدم التفكر في المنعِم عليه ، فشبّه عدم اشتغاله بذلك بالبُعد . والجانب للإنسان : منتهى جسمه من إحدى الجهتين اللَّتين ليستا قُبالَة وجهه وظهرِه ، ويسمى الشِقّ ، والعِطف بكسر العين . والباء للتعدية . والمعنى : أبعد جانبه ، كناية عن إبعاد نفسه ، أي ولَّى معرضاً غير ملتفت بوجهه إلى الشيء الذي ابتعد هو عنه .

ومعنى { مسه الشر } أصابه شر بسبب عاديّ . وعدل عن إسناد إصابة الشر إلى الله تعليماً للأدب مع الله كما قال إبراهيم { الذي خلقني فهو يهدين } [ الشعراء : 78 ] الخ . ثم قال : { وإذا مَرِضْت فهو يشفين } [ الشعراء : 80 ] فلم يقل : وإذا أمرضني ، وفي ذلك سرّ وهو أن النعم والخير مسخّران للإنسان في أصل وضع خلقته فهما الغالبان عليه لأنّهما من مظاهر ناموس بقاء النوع . وأمّا الشرور والأضرار فإن معظمها ينجرّ إلى الإنسان بسوء تصرفه وبتعرضه إلى ما حذرته منه الشرائع والحكماء الملهمون فقلما يقع فيهما الإنسان إلا بعلمه وجُرأته .

والدعاء : الدعاء لله بكشف الشرّ عنه . ووصفُه بالعريض استعارة لأن العَرض بفتح العين ضد الطول ، والشيء العريض هو المتسع مساحة العَرض ، فشبه الدعاء المتكرر الملَحُّ فيه بالثوب أو المكان العريض . وعُدل عن أن يقال : فداع ، إلى { ذو دعاء } لما تشعر به كلمة { ذو } من ملازمة الدعاء له وتملكه منه .

والدّعاء إلى الله من شيم المؤمنين وهم متفاوتون في الإكثار منه والإقلال على تفاوت ملاحظة الحقائق الإلهيّة . وتَوجه المشركين إلى الله بالدعاء هو أقوال تجري على ألسنتهم توارثوها من عادات سالفة من أزمان تدينهم بالحنيفية قبل أن تدخل عليهم عبادة الأصنام وتتأصل فيهم فإذا دعوا الله غفلوا عن منافاة أقوالهم لعقائد شركهم .