وحانت ساعة المبارزة والمنازلة . فتقدم السحرة نحو موسى - عليه السلام - وقالوا له - كما حكى القرآن عنهم - : { . . . يا موسى إِمَّآ أَن تُلْقِيَ وَإِمَّآ أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ ألقى } .
والإلقاء فى الأصل : طرح الشىء ، ومفعول " تلقى " محذوف للعلم به ، والمراد به العصا .
أى ؛ قال السحرة لموسى على سبيل التخيير الذى يبدو فيه التحدى والتلويح بالقوة : يا موسى إما أن تلقى أنت عصاك قبلنا ، وإما أن تتركنا لنلقى حبالنا وعصينا قبلك
قال الآلوسى : خيروه - عليه السلام - وقدموه على أنفسهم إظهارا للثقة بأمرهم . وقيل . مراعاة للأدب معه - عليه السلام - . و " أن " مع ما فى حيزها منصوب بفعل مضمر . أى ، إما تختار إلقاءك أو تختار كوننا أول من ألقى . أو مرفوع على أنه خبر لمبتدأ محذوف .
خير السحرة موسى عليه السلام في أن يبتدئ بالإلقاء أو يتأخر بعدهم ، وروي أنهم كانوا سبعين ألف ساحر ، وروي أنهم كانوا ثلاثين ألف ساحر ، وروي أنهم كانوا خمسة عشر ألفا ، وروي أنهم كانوا تسعمائة ، ثلاثمائة من الفيوم وثلاثمائة من الفرما وثلاثمائة من الإسكندرية وكان مع كل رجل منهم حبل وعصى قد استعمل فيها السحر .
تقدمت هذه القصة ومعانيها في سورة الأعراف سوى أن الأوليّة هنا مصرّح بها في أحد الشقّين . فكانت صريحة في أن التخيير يتسلط على الأولية في الإلقاء ، وسوى أنه صرّح هنا بأن السحر الذي ألقوْهُ كان بتخييل أن حبالهم وعصيّهم ثعابين تسعى لأنها لا يشبهها في شكلها من أنواع الحيوان سوى الحيات والثعابين .
والمفاجأة المستفادة من ( إذا ) دلّت على أنهم أعدّوها للإلقاء وكانوا يخشون أن يمرّ زمان تزول به خاصياتها فلذلك أسرعوا بإلقائها .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: فأجمعت السحرة كيدهم، ثم أتوا صفا فقالوا لموسى: يا مُوسى "إمّا أنْ تُلْقِيَ وإمّا أنْ نَكُونَ أوّلَ مَنْ ألْقَى "وترك ذكر ذلك من الكلام اكتفاء بدلالة الكلام عليه.
واختلف في مبلغ عدد السحرة الذين أتوا يومئذٍ صفا... فقالوا لموسى: إما أن تلقي ما معك قبلنا، وإما أن نلقي ما معنا قبلك، وذلك قوله: "وإمّا أنْ نَكُونَ أوّلَ مَنْ ألْقَى"... معنى الكلام: اختر يا موسى أحد هذين الأمرين: إما أن تلقي قبلنا، وإما أن نكون أوّل من ألقى...
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
أظهروا من أنفسهم التجلَّدَ ظنَّا بأَنَّ النصرةَ لهم، وإخلاداً إلى ما كان السَّحَرَةُ يُسوِّلون لهم، فَخَيَّروا موسى في الابتداء بناءً على ما توهموا من الإلقاء.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
فلما أتوا وكانوا خبيرين بأن يقولوا ما ينفعهم في مناصبة موسى عليه السلام، استؤنف الإخبار عنه بقوله تعالى: {قالوا} أي السحرة منادين، لأن لين القول مع الخصم إن لم ينفع لم يضر: {يا موسى إما أن تلقي} ما معك مما تناظرنا به أولاً {وإما أن نكون} أي نحن {أول من ألقى} ما معه.
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :
فلله دَرُّهُم، ما أصلبهم في باطلهم، وأشدهم فيه، حيث أتوا بكل سبب، ووسيلة وممكن، ومكيدة يكيدون بها الحق، ويأبى الله إلا أن يتم نوره، ويظهر الحق على الباطل،. فلما تمت مكيدتهم، وانحصر مقصدهم، ولم يبق إلا العمل {قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ} عصاك {وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى} خيروه، موهمين أنهم على جزم من ظهورهم عليه بأي: حالة كانت.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
وهي دعوة الميدان إلى النزال. يبدو فيها التماسك وإظهار النصفة والتحدي.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
تقدمت هذه القصة ومعانيها في سورة الأعراف سوى أن الأوليّة هنا مصرّح بها في أحد الشقّين. فكانت صريحة في أن التخيير يتسلط على الأولية في الإلقاء، وسوى أنه صرّح هنا بأن السحر الذي ألقوْهُ كان بتخييل أن حبالهم وعصيّهم ثعابين تسعى لأنها لا يشبهها في شكلها من أنواع الحيوان سوى الحيات والثعابين. والمفاجأة المستفادة من (إذا) دلّت على أنهم أعدّوها للإلقاء وكانوا يخشون أن يمرّ زمان تزول به خاصياتها فلذلك أسرعوا بإلقائها.
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
لقد اتّحد السّحرة ظاهراً، وعزموا على محاربة موسى (عليه السلام) ومواجهته، فلمّا نزلوا إلى الميدان (قالوا يا موسى إمّا أن تلقي وإمّا أن نكون أوّل من ألقى).
قال بعض المفسّرين: إنّ اقتراح السّحرة هذا إمّا أن يكون من أجل أن يسبقهم موسى (عليه السلام)، أو إنّه كان احتراماً منهم لموسى، وربّما كان هذا الأمر هو الذي هيّأ السبيل إلى أن يذعنوا لموسى (عليه السلام) ويؤمنوا به بعد هذه الحادثة.
إلاّ أنّ هذا الموضوع يبدو بعيداً جدّاً، لأنّ هؤلاء كانوا يسعون بكلّ ما اُوتوا من قوّة لأن يسحقوا ويحطّموا موسى ومعجزته، وبناءً على هذا فإنّ التعبير آنف الذكر ربّما كان لإظهار اعتمادهم على أنفسهم أمام الناس.