أى : قل - أيها الرسول الكريم - يا رب إن تطلعنى وترينى العذاب الذى توعدت به هؤلاء المشركين ، فأسألك - يا إلهى - أن لا تجعلنى قريناً لهم فيه ، وأبعدنى عن هؤلاء القوم الظالمين ، حتى لا يصيبنى ما يصيبهم .
ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى عصمة من الله - تعالى - من أن يجعله مع القوم الظالمين ، حين ينزل بهم العذاب ، ولكن جاءت الآية بهذا الدعاء والإرشاد ، للزيادة فى التوقى ، ولتعليم المؤمنين أن لا يأمنوا مكر الله ، وأن يلوذوا دائماً بحماه .
وعند هذا الحد يلتفت عن خطابهم وجدلهم وحكاية حالهم ، إلى الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] يأمره أن يتوجه إلى ربه مستعيذا به أن يجعله مع هؤلاء القوم - إن كان قد قدر له أن يرى تحقيق ما وعدهم به من العذاب . وأن يستعيذ به كذلك من الشياطين ، فلا تثور نفسه ، ولا يضيق صدره بما يقولون :
( قل : رب إما تريني ما يوعدون . رب فلا تجعلني في القوم الظالمين . وإنا على أن نريك ما نعدهم لقادرون . ادفع بالتي هي أحسن السيئة نحن أعلم بما يصفون . وقل : رب أعوذ بك من همزات الشياطين . وأعوذ بك رب أن يحضرون ) . .
ورسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] في منجاة من أن يجعله الله مع القوم الظالمين حين يحل بهم العذاب الأليم ، ويتحقق ما يوعدون ، ولكن هذا الدعاء زيادة في التوقي ؛ وتعليم لمن بعده ألا يأمنوا مكر الله ، وأن يظلوا أبدا أيقاظا ، وأن يلوذوا دائما بحماه .
يقول تعالى آمرًا [ نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم ]{[20653]} أن يدعو هذا الدعاء عند حلول النقم : { رَبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ } أي : إن عاقبتهم - وإني شاهدُ ذلك - فلا تجعلني فيهم ، كما جاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد والترمذي - وصححه - : " وإذا أردت بقوم فتنة فتوفني إليك غير مفتون " {[20654]} .
{ رب فلا تجعلني في القوم الظالمين } قرينا لهم في العذاب ، وهو إما لهضم النفس أو لأن شؤم الظلمة قد يحيق بم وراءهم كقوله تعالى : { واتقوا فتنة لا تصبين الذين ظلموا منكم خاصة } عن الحسن أنه تعالى أخبر نبيه عليه السلام أنهله في أمته نقمة ولم يطلعه على وقتها فأمره بهذا الدعاء وتكرير النداء ، وتصدير كل واحد من الشرط والجزاء به فضل تضرع وجؤار .
هذه الجملة استئناف بياني جواباً عما يختلج في نفس رسول الله عليه الصلاة والسلام . وقد تحقق ذلك فيما حل بالمشركين يوم بدر ويوم حنين . فالوعيد المذكور هنا وعيد بعقاب في الدنيا كما يقتضيه قوله : { فلا تجعلني في القوم الظالمين } .
وذكر في هذا الدعاء لفظ ( رب ) مكرراً تمهيداً للإجابة لأن وصف الربوبية يقتضي الرأفة بالمربوب .
وأدخل بعد حرف الشرط ( ما ) الزائدة للتوكيد فاقترن فعل الشرط بنون التوكيد لزيادة تحقيق ربط الجزاء بالشرط .
ونظيره في تكرير المؤكدات بين الشرط وجوابه قول الأعشى :
إما تَرَيْنا حفاةً لا نعال لنا *** إنا كذلِك ما نحفَى وننتعل
أي فاعلمي حقاً أنا نحفى تارة وننتعل أخرى لأجل ذلك ، أي لأجل إخفاء الخطى لا للأجل وجدان نعل مرة وفقدانها أخرى كحال أهل الخصاصة .
وقد تقدم في قوله { وإما ينزغنك من الشيطان نزغ } في آخر الأعراف ( 200 ) . والمعنى : إذا كان ما يوعدون حاصلاً في حياتي فأنا أدعوكم أن لا تجعلوني فيهم حينئذ .
واستعمال حرف الظرفية من قوله : { في القوم الظالمين } يشير إلى أنه أُمر أن يَسأل الكون في موضع غير موضع المشركين ، وقد تحقق ذلك بالهجرة إلى المدينة فالظرفية هنا حقيقية ، أي بينهم .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
[نص مكرر لاشتراكه مع الآية 93]
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد: ربّ إنْ تُرِيَنّي في هؤلاء المشركين ما تعدهم من عذابك، فلا تهلكني بما تهلكهم به، ونجني من عذابك وسخطك فلا تجعلني في القوم المشركين، ولكن اجعلني ممن رضيت عنه من أوليائك.
الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي 427 هـ :
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
أي لا تجعلني في جملة من يشملهم العذاب بظلمهم، وتقديره: إن أنزلت بهم النقمة، فاجعلني خارجا منهم.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{فَلاَ تَجْعَلْنِي} قريناً لهم ولا تعذبني بعذابهم...
فإن قلت: كيف يجوز أن يجعل الله نبيه المعصوم مع الظالمين، حتى يطلب أن لا يجعله معهم؟ قلت: يجوز أن يسأل العبد ربه ما علم أنه يفعله، وأن يستعيذ به مما علم أنه لا يفعله، إظهاراً للعبودية وتواضعاً لربه، وإخباتاً له. واستغفاره صلى الله عليه وسلم إذا قام من مجلسه سبعين مرة أو مائة مرة لذلك...
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
وهذا الدعاء فيه استصحاب الخشية والتحذير من الأمر المعذب من أجله ثم نظيره لسائر الأمة دعاء في جودة الخاتمة، وفي هذه الآية بجملتها إعلام بقرب العذاب منهم كما كان في يوم بدر،...
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 671 هـ :
وكان عليه السلام يعلم أن الله تعالى لا يجعله في القوم الظالمين إذا نزل بهم العذاب، ومع هذا أمره الرب بهذا الدعاء والسؤال ليعظم أجره وليكون في كل الأوقات ذاكرا لربه تعالى.
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :
[نص مكرر لاشتراكه مع الآية 93]
يقول تعالى آمرًا [نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم] أن يدعو هذا الدعاء عند حلول النقم: {رَبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ} أي: إن عاقبتهم -وإني شاهدُ ذلك- فلا تجعلني فيهم، كما جاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد والترمذي -وصححه -:"وإذا أردت بقوم فتنة فتوفني إليك غير مفتون".
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ثم نبهه على الزيادة في الضراعة بتكرير النداء بصفة الإحسان تعبداً وتخشعاً، وتذللاً وتخضعاً، إشارة إلى أن الله سبحانه له أن يفعل ما يشاء، فينبغي لأقرب خلقه إليه أن يكون على غاية الحذر منه فقال: {رب فلا تجعلني} بإحسانك إليّ وفضلك عليّ فيهم، هكذا كان الأصل ولكنه أظهر الوصف تعميماً للدعوة وتعليقاً للحكم بالوصف فقال: {في القوم الظالمين} أي الذين أعمالهم أعمال من يمشي في الظلام، فهي في غير مواضعها، فضلاً عن أن أكون منهم فإنه يوشك أن يخصهم العذاب ويعم من جاورهم لوخامة الظلم وسوء عاقبته.
فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني 1250 هـ :
وأمره الله أن يسأله أن لا يجعله في القوم الظالمين مع أن الأنبياء لا يكونون مع القوم الظالمين أبداً، تعليماً له صلى الله عليه وسلم من ربه كيف يتواضع؟
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :
أي: اعصمني وارحمني، مما ابتليتهم به من الذنوب الموجبة للنقم، وارحمني أيضا من العذاب الذي ينزل بهم، لأن العقوبة العامة تعم -عند نزولها- العاصي وغيره.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
[نص مكرر لاشتراكه مع الآية 93]
ورسول الله [صلى الله عليه وسلم] في منجاة من أن يجعله الله مع القوم الظالمين حين يحل بهم العذاب الأليم، ويتحقق ما يوعدون، ولكن هذا الدعاء زيادة في التوقي؛ وتعليم لمن بعده ألا يأمنوا مكر الله، وأن يظلوا أبدا أيقاظا، وأن يلوذوا دائما بحماه.
زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :
ضراعة من النبي صلى الله عليه وسلم اتجه إلى ربه بأمر ربه... وهذا النص يتضمن براءة النبي صلى الله عليه وسلم من أن يكون ظالما، وأن يكون من الأقوام الظالمين أو في صفوفهم، فإن الرضا عن الظلم كالظلم، وإن كان دونه جزاء.
التيسير في أحاديث التفسير للمكي الناصري 1415 هـ :
[نص مكرر لاشتراكه مع الآية 93]
وبذلك لقن رسوله الأعظم ان يستعيذ بالله تعالى من كل عذاب ينزله بالمكذبين، من الكفار والمشركين الذين يستعجلون العذاب في الدنيا قبل الآخرة، فلا يجعله إذا صادف عذابهم قرينا لهم، ولا يعذبه بعذابهم.
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
{رَبِّ فَلاَ تجعلني في الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} الذين ظلموا أنفسهم بالكفر والشرك، وأبعدني في الدنيا عن السير في هذا الاتجاه؛ لتأكيد انفصاله عن مجتمعهم وعن أوضاعهم، من أجل الانفصال عن مصيرهم الأسود الذي ينتظرهم في الآخرة.
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
فهذا الدعاء من الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم) إنّما كان بأمر من الله تعالى، لهدفين: ليحذّر الكفّار والمشركين من سوء المنقلب الذي يتوجّب أن يُسلّم الرّسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) نفسه إلى الله جلّ وعلا ويطلب منه النجاة، والآخر: ليعلّم أصحابه وأتباعه جميعاً التسليم إلى الحقّ، وألاّ يتصوّروا أنّهم في مأمن من عذابه...
أمّا ماذا يقصد بهذا العذاب؟ يرى معظم المفسّرين أنّه العقاب الدنيوي الذي ابتلى الله به المشركين، ومنه الهزيمة المرّة التي ألحقها بهم في معركة بدر ومع التوجّه إلى أنّ سورة «المؤمنون» مكّية نزلت يوم مواجهة المؤمنين لضغوط كبيرة. لهذا كانت هذه الآيات بلسم لجراحهم وتسلية لخواطرهم (وجاء بهذا المعنى أيضاً في سورة يونس الآية 46). إلاّ أنّ بعض المفسّرين احتملوا أنّه يشمل العذاب الدنيوي والأخروي معاً. ويبدو التّفسير الأوّل أقرب لمراد الآية.