ثم بشرهم - رابعا - بأنهم هم المنصورون لأن سنته قد اقتضت ذلك ، فقال : { وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الذين كفَرُواْ لَوَلَّوُاْ الأدبار . . . } وتولية الأدبار كناية عن الهزيمة ، لأن المنهزم يعطى ظهره لمن انتصر عليه . أى : ولو قاتلكم الذين كفروا وأنتم على تلك الحالة من قوة الإِيمان ، وصدق العهد ، وإخلاص النية ، وحسن الاستعداد ، ومباشرة الأسباب . لولوا الأدبار أمامكم { ثُمَّ لاَ يَجِدُونَ وَلِيّاً } يعينهم { وَلاَ نَصِيراً } لنصرهم .
وبمناسبة هذه الإشارة إلى الغنيمة الحاضرة ، والغنيمة التي قد أحاط الله بها ، وهم في انتظارها ، يقرر لهم أنهم منصورون ؛ وأن الصلح في هذا العام لم يكن لأنهم ضعاف ، أو لأن المشركين أقوياء . ولكنه تم لحكمة يريدها . ولو قاتلهم الذين كفروا لهزموا . فتلك سنة الله حيثما التقى المؤمنون والكافرون في موقعة فاصلة :
( ولو قاتلكم الذين كفروا لولوا الأدبار ، ثم لا يجدون وليا ولا نصيرا . سنة الله التي قد خلت من قبل ، ولن تجد لسنة الله تبديلا ) . .
وقوله : { وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الأدْبَارَ ثُمَّ لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا } يقول تعالى مبشرا لعباده المؤمنين : بأنه لو ناجزهم المشركون لنصر الله رسوله وعباده المؤمنين عليهم ، ولانهزم جيش الكفار{[2]} فارا مدبرا لا يجدون وليا ولا نصيرا ؛ لأنهم محاربون لله ولرسوله ولحزبه{[3]} المؤمنين .
هذا عطف على قوله : { وكف أيدي الناس عنكم } [ الفتح : 20 ] على أن بعضه متعلق بالمعطوف عليه ، وبعضه معطوف على المعطوف عليه فما بينهما ليس من الاعتراض .
والمقصود من هذا العطف التنبيه على أن كف أيدي الناس عنهم نعمة على المسلمين باستبقاء قوتهم وعدتهم ونشاطهم . وليس الكف لدفع غلبة المشركين إياهم لأن الله قدَّر للمسلمين عاقبة النصر فلو قاتلهم الذين كفروا لهزمهم المسلمون ولم يجدوا نصيراً ، أي لم ينتصروا بجمعهم ولا بمن يعينهم .
والمراد بالذين كفروا ما أريد بالناس في قوله : { وكف أيدي الناس عنكم } . وكان مقتضى الظاهر الإتيان بضمير الناس بأن يقال : ولو قاتلوكم ، فعدل عنه إلى الاسم الظاهر لما في الصلة من الإيماء إلى وجه بناء الخبر وهو أن الكفر هو سبب تولية الإدبار في قتالهم للمسلمين تمهيداً لقوله : { سنة اللَّه التي قد خلت من قبل } .
و { الأدبار } منصوب على أنه مفعول ثان لِ { وَلَّوا } ومفعوله الأول محذوف لدلالة ضمير { قاتلكم الذين كفروا } عليه . والتقدير : لولوكم الأدبار .
وأل للعهد ، أي أدبارهم ، ولذلك يقول كثير من النحاة إن أل في مثله عوض عن المضاف إليه وهو تعويض معنوي .
والتولية : جعل الشيء والياً ، أي لجعلوا ظهورهم تَليكم ، أي ارتدوا إلى ورائهم فصُرتم وراءهم .
و { ثم } للتراخي الرتبي فإن عدم وجدان الولي والنصير أشد على المنهزم من انهزامه لأن حين ينهزم قد يكون له أمل بأن يستنصر من ينجده فيكُرّ بِهِ على الذين هزموه فإذا لم يجد ولياً ولا نصيراً تحقق أنه غير منتصر وأصل الكلام لولوا الأدبار وما وجدوا ولياً ولا نصيراً .
والولي : المُوالي والصديق ، وهو أعم من النصير إذ قد يكون الوَلي غير قادر على إيواء وليه وإسعافه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.