المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{أَلَمۡ يَعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ سِرَّهُمۡ وَنَجۡوَىٰهُمۡ وَأَنَّ ٱللَّهَ عَلَّـٰمُ ٱلۡغُيُوبِ} (78)

78- كيف يتجاهلون أن اللَّه مُطلع عليهم ؛ لا يخفي عليه ما يضمرونه في السر من نقض العهد ، وما يتناجون به في الخفاء من الطعن في الدين وتدبير المكايد للمسلمين ، وهو - جل شأنه - العليم الذي لا يغيب عنه شيء .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{أَلَمۡ يَعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ سِرَّهُمۡ وَنَجۡوَىٰهُمۡ وَأَنَّ ٱللَّهَ عَلَّـٰمُ ٱلۡغُيُوبِ} (78)

قوله تعالى : { ألم يعلموا أن الله يعلم سرهم ونجواهم } ، يعني : ما أضمروا في قلوبهم وما تناجوا بينهم ، { وأن الله علام الغيوب } .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{أَلَمۡ يَعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ سِرَّهُمۡ وَنَجۡوَىٰهُمۡ وَأَنَّ ٱللَّهَ عَلَّـٰمُ ٱلۡغُيُوبِ} (78)

ثم ختم - سبحانه - هذه الآيات الكريمة ، بتوبيخهم على إصرارهم على المعاصى ، مع علمهم بأنه - عز وجل - عليم رقيب عليهم ، ومطلع على أحوالهم فقال : { أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ الله يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ الله عَلاَّمُ الغيوب } .

أى : ألم يعلم هؤلاء المنافقون أن الله - تعالى - يعلم ما يسرونه في أنفسهم من نفاق ، وما يتناجون به فيما بينهم من أقوال فاسدة ، وأنه - سبحانه - لا يخفى عليه شئ في الأرض ولا في السماء ؟ بلى إنهم ليعلمون ذلك علم اليقين ، ولكنهم لاستيلاء الهوى والشيطان عليهم ، لم ينتفعوا بعلمهم .

فالاستفهام في قوله : { أَلَمْ يَعْلَمُواْ } للتوبيخ والتهديد والتقرير . وتنبيههم إلى أن الله عليم بأحوالهم ، وسيجازيهم عليها .

هذا ، ومن الأحكام والآداب التي أخذها العلماء من هذه الآيات ما يأتى :

1- وجوب الوفاء بالعهود ، فإن نقض العهود ، وخلف الوعد ، والكذب كل ذلك يورث النفاق ، فيجب على المسلم أن يبالغ في الاحتراز عنه ، فإذا عاهد الله في أمر فليجتهد في الوفاء به .

ومذهب الحسن البصرى - رحمه الله - أنه يوجب النفاق لا محالة ، وتمسك فيه بهذه الآية وبقوله - صلى الله عليه وسلم - : " ثلاث من كن فيه فهو منافق ، وإن صلى وصام وزعم أنه مؤمن : إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا ائتمن خان " .

2- أن للإِمام أن يمتنع عن قبول الصدقة من صاحبها إذا رأى المصلحة في ذلك ، اقتداء بما فعله الرسول - صلى الله عليه وسلم - مع ثعلبة ، فإنه لم يقبل منه الصدقة بعد أن جاء بها .

قال الإِمام الرازى : فإن قيل إن الله - تعالى - أمره - أى ثعلبة - بإخراج الصدقة فكيف يجوز من الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن لا يقبلها منه ؟

قلنا : لا يبعد أن يقال أنه - تعالى - منع رسوله عن قبول الصدقة منه على سبلي الإِهانة له ، ليعتبر غيره به ، فلا يمتنع عن أداء الصدقات .

ولا يبعد - أيضا - أنه إنما أتى بها على وجه الرياء لا على وجه الإِخلاص وأعلم الله ورسوله بذكل ، فلم يقبل تلك الصدقة لهذا السبب .

ويحتمل - أيضا - أنه - تعالى - لما قال : { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا } وكان هذا المقصود غير حاصل في ثعلبة مع نفاقه ، فلهذا السبب امتنع رسول الله - صلى الله عليه وسلم عن أخذ تلك الصدقة .

3- أن النفس البشرية ضعيفة شحيحة - إلا من عصم الله .

وأن مما يعين الإِنسان على التغلب على هذا الضعف والشح ، أن يوطن نفسه على طاعة الله ، وأن يجبرها إجباراً على مخالفة الهوى والشيطان ، وأن يؤثر ما عند الله على كل شئ من حطام الدنيا .

أما إذا ترك لنفسه أن تسير على هواها ، فإنها ستورده المهالك ، التي لن ينفع معها الندم ، وستجعله أسر شهواته وأطمامعه ونفاقه إلى أن يلقى الله ، وصدق - سبحانه - حيث يقول : { فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَآ أَخْلَفُواْ الله مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ } .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{أَلَمۡ يَعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ سِرَّهُمۡ وَنَجۡوَىٰهُمۡ وَأَنَّ ٱللَّهَ عَلَّـٰمُ ٱلۡغُيُوبِ} (78)

( ألم يعلموا أن اللّه يعلم سرهم ونجواهم وأن اللّه علام الغيوب )?

ألم يعلموا - وهم يدعون الإيمان - أن اللّه مطلع على السرائر ، عالم بما يدور بينهم من أحاديث ، يحسبونها سراً بينهم لأنهم يتناجون بها في خفية عن الناس ? وأن اللّه يعلم الغيب الخافي المستور ، فيعلم حقيقة النوايا في الصدور ? ولقد كان من مقتضي علمهم بهذا ، ألا يستخفوا عن اللّه بنية ، وألا تحدثهم نفوسهم بإخلاف ما عاهدوا اللّه عليه ، والكذب عليه في إعطاء العهود .

وقد وردت روايات عن سبب نزول الآيات الثلاث ، نذكر منها رواية عن ابن جرير وابن أبي حاتم من حديث معان - بإسناده - عن أبي أمامة الباهلي عن ثعلبة بن حاطب الأنصاري أنه قال لرسول اللّه - [ ص ] - ادع اللّه أن يرزقني مالاً . قال : فقال رسول اللّه - [ ص ] - : " ويحك يا ثعلبة ، قليل تؤدي شكره خير من كثير لا تطيقه " قال : ثم قال مرة أخرى . فقال : " أما ترضى أن تكون مثل نبي اللّه فو الذي نفسي بيده لو شئت أن تسير الجبال معي ذهباً وفضة لسارت " قال : والذي بعثك بالحق لئن دعوت اللّه فرزقني مالاً لأعطين كل ذي حق حقه . فقال رسول اللّه - [ ص ] - " اللهم ارزق ثعلبة مالاً " قال : فاتخذ غنماً فنمت كما ينمي الدود ، فضاقت المدينة ، فتنحى عنها فنزل وادياً من أوديتها ، حتى جعل يصلي الظهر والعصر في جماعة ويترك ماسواهما ، ثم نمت وكثرت فتنحى حتى ترك الصلوات إلا الجمعة ، وهي تنمي كما ينمي الدود حتى ترك الجمعة ، فطفق يتلقى الركبان يوم الجمعة ليسألهم عن الأخبار . فقال رسول اللّه - [ ص ] - " ما فعل ثعلبة ? " فقالوا يا رسول اللّه اتخذ غنماً فضاقت عليه المدينة ، فأخبروه بأمره ، فقال : " يا ويح ثعلبة ! يا ويح ثعلبة ! يا ويح ثعلبة ! " وأنزل اللّه جل ثناؤه : ( خذ من أموالهم صدقة ) . . الآية . . ونزلت فرائض الصدقة ، فبعث رسول اللّه - [ ص ] - رجلينعلى الصدقة من المسلمين . رجلاً من جهينة ورجلاً من سليم ، وكتب لهما كيف يأخذان الصدقة من المسلمين ؛ وقال لهما : " مرا بثعلبة وبفلان - رجل من بني سليم - فخذا صدقاتهما " . فخرجا حتى أتيا ثعلبة فسألاه الصدقة ، وأقرآه كتاب رسول اللّه - [ ص ] - فقال : ما هذه إلا جزية . ما هذه إلا أخت الجزية . ما أدري ما هذا ? انطلقا حتى تفرغا ثم عودا إليّ . وسمع بهما السلمي ، فنظر إلى خيار أسنان إبله فعزلها للصدقة ثم استقبلهما بها ، فلما رأوها قالوا : ما يجب عليك هذا ، وما نريد أن نأخذ هذا منك . فقال : بل فخذوها فإن نفسي بذلك طيبة وإنما هي له ، فأخذاها منه ومرا على الناس فأخذا الصدقات . ثم رجعا إلى ثعلبة فقال : أروني كتابكما فقرأه فقال : ما هذه إلا جزية ، ما هذه إلا أخت الجزية . انطلقا حتى أرى رأيي . فانطلقا حتى أتيا النبي - [ ص ] - فلما رآهما قال : " يا ويح ثعلبة " قبل أن يكلمهما ، ودعا للسلمي بالبركة ، فأخبراه بالذي صنع ثعلبة والذي صنع السلمي . فأنزل اللّه عز وجل ( ومنهم من عاهد اللّه لئن آتانا من فضله لنصدقن . . . )الآية . وعند رسول اللّه - [ ص ] - رجل من أقارب ثعلبة فسمع بذلك ، فخرج حتى أتاه ، فقال : ويحك يا ثعلبة ! أنزل اللّه فيك كذا وكذا ؛ فخرج ثعلبة حتى أتى النبي - [ ص ] - فسأله أن يقبل منه صدقته ، فقال : " إن اللّه منعني أن أقبل منك صدقتك " فجعل يحثو على رأسه التراب ، فقال له رسول اللّه - [ ص ] - " هذا عملك ، قد أمرتك فلم تطعني " فلما أبى رسول الله [ ص ] أن يقبض صدقته رجع إلى منزله ؛ فقبض رسول اللّه - صلى اللّه عليه وآله وسلم - ولم يقبل منه شيئاً . ثم أتى أبا بكر - رضي اللّه عنه - حين استخلف ، فقال : قد علمت منزلتي من رسول اللّه وموضعي من الأنصار فاقبل صدقتي ؛ فقال أبو بكر : لم يقبلها منك رسول اللّه - [ ص ] - وأبى أن يقبلها ؛ فقبض أبو بكر ولم يقبلها . فلما ولي عمر - رضي اللّه عنه - أتاه فقال : يا أمير المؤمنين اقبل صدقتي ، فقال : لم يقبلها رسول اللّه - [ ص ] - ولا أبو بكر ، وأنا أقبلها منك ? فقبض ولم يقبلها . فلما ولي عثمان - رضي اللّه عنه - أتاه فقال : اقبل صدقتي ، فقال : لم يقبلها رسول اللّه - [ ص ] - ولا أبو بكر ولا عمر ، وأنا أقبلها منك ? فلم يقبلها منه . فهلك ثعلبة في خلافة عثمان . .

وسواء كانت هذه الواقعة مصاحبة لنزول الآيات أو كان غيرها ، فإن النص عام ، وهو يصور حالة عامة ، ويرسم نموذجاً مكرراً للنفوس التي لم تستيقن ، ولم يبلغ الإيمان فيها أن يتمكن . وإذا كانت الرواية صحيحة في ربط الحادثة بنزول الآيات ، فإن علم الرسول - [ ص ] - أن نقض العهد والكذب على اللّه قد أورث المخلفين نفاقاً في قلوبهم إلى يوم يلقونه ، يكون هو الذي منعه من قبول صدقة ثعلبة وتوبته التي ظهر بها ، ولم يعامله بالظاهر حسب الشريعة . إنما عامله بعلمه بحاله الذي لا شك فيه ، لأنه إخبار من العليم الخبير . وكان تصرفه - [ ص ] - تصرفاً تأديبياً برد صدقته . مع عدم اعتباره مرتداً فيؤخذ بعقوبة الردة ولا مسلماً فتقبل منه زكاته . ولا يعني هذا إسقاط الزكاة عن المنافقين شريعة . إن الشريعة تأخذ الناس بظاهرهم . فيما ليس فيه علم يقيني ، كالذي كان في هذا الحادث الخاص ، فلا يقاس عليه .

غير أن رواية الحادث تكشف لنا كيف كان المسلمون الأوائل ينظرون إلى الزكاة المفروضة . إنهم كانوا يحتسبونها نعمة عليهم ، من يحرم أداءها أو يحرم قبولها منه ، فهو الخاسر الذي يستحق الترحم مما أصابه من رفض زكاته ! مدركين لحقيقة المعنى الكامن في قوله تعالى :

( خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها ) . .

فكانت لهم غنما ينالونه لا غرماً يحملونه . وهذا هو الفارق بين فريضة تؤدى ابتغاء رضوان اللّه وضريبة تدفع لأن القانون يحتمها ويعاقب عليها الناس !

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{أَلَمۡ يَعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ سِرَّهُمۡ وَنَجۡوَىٰهُمۡ وَأَنَّ ٱللَّهَ عَلَّـٰمُ ٱلۡغُيُوبِ} (78)

وقوله : { أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلامُ الْغُيُوبِ } يخبرهم تعالى أنه يعلم السر وأخفى ، وأنه أعلم بضمائرهم وإن أظهروا أنه إن حصل لهم أموال تصدقوا منها وشكروا عليها ، فإنه أعلم بهم من أنفسهم ؛ لأنه تعالى علام الغيوب ، أي : يعلم كل غيب وشهادة ، وكل سر ونجوى ، ويعلم ما ظهر وما بطن .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{أَلَمۡ يَعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ سِرَّهُمۡ وَنَجۡوَىٰهُمۡ وَأَنَّ ٱللَّهَ عَلَّـٰمُ ٱلۡغُيُوبِ} (78)

القول في تأويل قوله تعالى : { أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنّ اللّهَ يَعْلَمُ سِرّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنّ اللّهَ عَلاّمُ الْغُيُوبِ *

يقول تعالى ذكره : ألم يعلم هؤلاء المنافقون الذين يكفرون بالله ورسوله سرّا ، ويظهرون الإيمان بهما لأهل الإيمان بهما جهرا ، أن الله يعلم سرّهم الذي يسرونه في أنفسهم من الكفر به ربرسوله ، وَنَجْوَاهُمْ يقول : ونجواهم إذا تناجوا بينهم بالطعن في الإسلام وأهله وذكرهم بغير ما ينبغي أن يذكروا به ، فيحذروا من الله عقوبته أن يحلها بهم وسطوته أن يوقعها بهم على كفرهم بالله وبرسوله وعيبهم للإسلام وأهله ، فنزعوا عن ذلك ويتوبوا منه . وأنّ اللّهَ عَلاّمُ الغُيُوبِ يقول : ألم يعلموا أن الله علام ما

غاب عن أسماع خلقه وأبصارهم وحواسّهم ، مما أكنّته نفوسهم ، فلم يظهرْ على جوارحهم الظاهرة ، فينهاهم ذلك عن خداع أوليائه بالنفاق والكذب ، ويزجرهم عن إضمار غير ما يبدونه ، وإظهار خلاف ما يعتقدونه ؟

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{أَلَمۡ يَعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ سِرَّهُمۡ وَنَجۡوَىٰهُمۡ وَأَنَّ ٱللَّهَ عَلَّـٰمُ ٱلۡغُيُوبِ} (78)

وقوله : { ألم يعلموا } الآية ، لفظ به تعلق من قال في الآية المتقدمة إن العهد كان من المنافقين بالنية لا بالقول ، وقرأ الجمهور «يعلموا » بالياء من تحت ، وقرأ أبو عبد الرحمن والحسن «ألم تعلموا » بالتاء ، من فوق ، وهذه الآية تناسب حالهم وذلك أنها تضمنت إحاطة علم الله بهم وحصره لهم ، وفيها توبيخهم على ما كانوا عليه من التحدث في نفوسهم من الاجتماع على ثلب الإسلام ، وراحة بعضم مع بعض في جهة النبي صلى الله عليه وسلم وشرعه ، فهي تعم المنافقين أجمع ، وقائل المقالة المذكورة ذهب إلى أنها تختص بالفرقة التي عاهدت .