مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{أَلَمۡ يَعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ سِرَّهُمۡ وَنَجۡوَىٰهُمۡ وَأَنَّ ٱللَّهَ عَلَّـٰمُ ٱلۡغُيُوبِ} (78)

ثم قال تعالى : { ألم يعلموا أن الله يعلم سرهم ونجواهم } والسر ما ينطوي عليه صدورهم ، والنجوى ما يفاوض فيه بعضهم بعضا فيما بينهم ، وهو مأخوذ من النجوة وهو الكلام الخفي كأن المتناجيين منعا إدخال غيرهما معهما وتباعدا من غيرهما ، ونظيره قوله تعالى : { وقربناه نجيا } وقوله : { فلما استيأسوا منه خلصوا نجيا } وقوله : { فلا تتناجوا بالإثم والعدوان وتناجوا بالبر والتقوى } وقوله : { إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة } .

إذا عرفت الفرق بين السر والنجوى ، فالمقصود من الآية كأنه تعالى قال : ألم يعلموا أن الله يعلم سرهم ونجواهم فكيف يتجرؤن على النفاق الذي الأصل فيه الاستسرار والتناجي فيما بينهم مع علمهم بأنه تعالى يعلم ذلك من حالهم كما يعلم الظاهر ، وأنه يعاقب عليه كما يعاقب على الظاهر ؟

ثم قال : { وأن الله علام الغيوب } والعلام مبالغة في العالم ، والغيب ما كان غائبا عن الخلق . والمراد أنه تعالى ذاته تقتضي العلم بجميع الأشياء . فوجب أن يحصل له العلم بجميع المعلومات ، فيجب كونه عالما بما في الضمائر والسرائر ، فكيف يمكن الإخفاء منه ؟ ونظير لفظ علام الغيوب ههنا قول عيسى عليه السلام : { إنك أنت علام الغيوب } فأما وصف الله بالعلامة فإنه لا يجوز لأنه مشعر بنوع تكلف فيها يعلم والتكلف في حق الله محال .