تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي  
{أَلَمۡ يَعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ سِرَّهُمۡ وَنَجۡوَىٰهُمۡ وَأَنَّ ٱللَّهَ عَلَّـٰمُ ٱلۡغُيُوبِ} (78)

ولهذا توعد من صدر منهم هذا الصنيع ، بقوله : { أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ } وسيجازيهم على ما عملوا من الأعمال التي يعلمها اللّه تعالى ، وهذه الآيات نزلت في رجل من المنافقين يقال له { ثعلبة } جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وسأله أن يدعو اللّه له ، أن يعطيه الله من فضله ، وأنه إن أعطاه ، ليتصدقن ، ويصل الرحم ، ويعين على النوائب ، فدعا له النبي صلى الله عليه وسلم ، فكان له غنم ، فلم تزل تتنامى ، حتى خرج بها عن المدينة ، فكان لا يحضر إلا بعض الصلوات الخمس ، ثم أبعد ، فكان لا يحضر إلا صلاة الجمعة ، ثم كثرت فأبعد بها ، فكان لا يحضر جمعة ولا جماعة .

ففقده النبي صلى الله عليه وسلم ، فأخبر بحاله ، فبعث من يأخذ الصدقات من أهلها ، فمروا على ثعلبة ، فقال : ما هذه إلا جزية ، ما هذه إلا أخت الجزية ، فلما لم يعطهم جاءوا فأخبروا بذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال : { يا ويح ثعلبة يا ويح ثعلبة } ثلاثا .

فلما نزلت هذه الآية فيه ، وفي أمثاله ، ذهب بها بعض أهله فبلغه إياها ، فجاء بزكاته ، فلم يقبلها النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم جاء بها لأبي بكر بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم فلم يقبلها ، ثم جاء بها بعد أبي بكر لعمر فلم يقبلها ، فيقال : إنه هلك في زمن عثمان{[377]} .


[377]:- قصة ثعلبة هذه ذكرها كثير من المفسرين، وقد ضعفها جهابذة أهل الحديث كابن حزم، والبيهقي، والقرطبي، والهيثمي، والعراقي، وابن حجر، والسيوطي والمناوي وغيرهم -رحمهم الله- وبينوا أن في إسنادها علي بن يزيد، وهو ضعيف كما أن من رواتها: معان بن رفاعة، والقاسم بن عبد الرحمن وهما ضعيفان، وذكر ابن حزم تضعيفها من جهة متنها أيضا. ينظر المحلى: (11/208) والإصابة: ترجمة ثعلبة، ومجمع الزوائد (7/32)، والجامع لأحكام القرآن (8/210)، وفيض القدير (4/257)، وفتح الباري (3/8)، ولباب النقول للسيوطي (121) وتخريج الإحياء للعراقي (3/338).