تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان  
{أَلَمۡ يَعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ سِرَّهُمۡ وَنَجۡوَىٰهُمۡ وَأَنَّ ٱللَّهَ عَلَّـٰمُ ٱلۡغُيُوبِ} (78)

ونجواهم : كلامهم الخفي .

ألم يعلموا - وهم يدَّعون الإيمان - أن الله مطَّلِعٌ على السرائر ، لا يخفى عليه ما يُضمِرونه في السر من نقض العهد ، وما يتناجَوْن به في الخفاء من الطعن في الدين وتدبير المكايد للمسلمين ! وأن الله يعلم الغيوب كلَّها لا يخفى عليه شيء في هذا الكون .

وقد وردت عدة روايات في سبب نزول هذه الآيات . روى ابن جرير أن ثَعلبةَ بن حاطِبٍ الأنصاري قال لرسول الله : ادعُ الله أن يرزقَني مالا ، فقال له رسول الله : «ويحك يا ثعلبة ، قليل تؤدّي شُكرَه خيرٌ من كثيرٍ لا تُطيقه » . فراجعه مرة أخرى وقال : والذي بعثك بالحق لئن رزقني الله مالاً لأعطينَّ كل ذي حق حقه ، فدعا له فاتخذ غنماً ، فنمت كما ينمى الدود حتى ضاقت بها المدينة . فنزل وادياً وانقطع عن الجماعة والجمعة . فسأل عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل : كثُرَ ماله حتى لا يَسَعُه واد ، فقال : يا ويح ثعلبة ، فبعث رسول الله مصدقين لأخذ الصدقات فاستقبلهما الناس بصدقاتهم ومرا بثعلبة فسألاه وأقرآه الكتاب الذي فيه الفرائض فقال ما هذه إلا جزية ما هذه إلا أخت الجزية فارجعا حتى أرى رأيي ، فلما رجعا أخبرا رسول الله بما قال ثعلبة ، فقال : ويح ثعلبة ، فأنزل الله تعالى : «ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن . . . » فسمع بذلك ثعلبة فجاء بالصدقة ، فقال النبي عليه الصلاة والسلام : إن الله منعني أن أقبل منك صدقتك . فجعل يحثو على رأسه التراب . وقبض رسول الله ، فجاء أبا بكر الصديق فلم يقبلها ، ثم جاء عمر فلم يقبلها ، وجاء عثمان فلم يقبلها رضي الله عنهم ، وهلك في خلافة عثمان .

وهذه الصورة من البشر موجودة في كل زمان ومكان ، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب كما يقول الأصوليون .