{ لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه } يشغله عن شأن غيره .
أخبرنا أحمد بن إبراهيم الشريحي ، أنبأنا أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي ، أخبرني الحسين بن محمد بن عبد الله ، أنبأنا عبد الله بن عبد الرحمن ، حدثنا محمد بن عبد العزيز ، حدثنا ابن أبي أويس ، حدثنا أبي ، عن محمد بن أبي عياش ، عن عطاء بن يسار ، عن سودة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يبعث الناس حفاةً عراة غرلاً ، قد ألجمهم العرق وبلغ شحوم الآذان ، فقلت : يا رسول الله ، وا سوأتاه ينظر بعضنا إلى بعض ؟ فقال : قد شغل الناس ، لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه " .
وجملة : { لِكُلِّ امرىء مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ } مستأنفة ، واردة لبيان سبب الفرار وللمبالغة فى تهويل شأن هذا اليوم .
أى : لكل واحد منهم فى هذا اليوم العظيم ، شأن وأمر يغنيه ويكفيه عن الاشتغال بأى أمر آخر سواه ، يقال : فلان أغنى فلاناً عن كذا ، إذا جعله فى غنية عنه .
وقد ساق ابن كثير - رحمه الله - عند تفسيره لهذه الآية عدد من الأحاديث ، منها ما رواه النسائى عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تحشرون فاة عراة غُرْلا " - بضم فسكون - جمع أغرل ، وهو الأقلف غير المختون - قال ابن عباس : فقالت زوجته : يا رسول الله ، أو يرى بعضنا عورة بعض ؟ قال : " لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه " . أو قال : " ما أشغله عن النظر " .
والهول في هذا المشهد هول نفسي بحت ، يفزع النفس ويفصلها عن محيطها . ويستبد بها استبدادا . فلكل نفسه وشأنه ، ولديه الكفاية من الهم الخاص به ، الذي لا يدع له فضلة من وعي أو جهد : ( لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه ) . .
" والظلال الكامنة وراء هذه العبارة وفي طياتها ظلال عميقة سحيقة . فما يوجد أخصر ولا أشمل من هذا التعبير ، لتصوير الهم الذي يشغل الحس والضمير : ( لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه ) !
ذلك حال الخلق جميعا في هول ذلك اليوم . . إذا جاءت الصاخة . .
وقوله : ( لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ ) أي : هو في شُغُل شاغل عن غيره .
قال ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن عمار بن الحارث ، حدثنا الوليد بن صالح ، حدثنا ثابت أبو زيد العباداني ، عن هلال بن خَبَّاب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تحشرون حفاة عراة مشاة غُرلا " قال : فقالت زوجته : يا رسول الله ، أوَ يرى{[29720]} بعضنا عورة بعض ؟ قال : " ( لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ ) أو قال : " ما أشغله عن النظر " .
وقد رواه النسائي منفردا به ، عن أبي داود ، عن عارم ، عن ثابت بن يزيد - وهو أبو زيد الأحول البصري ، أحد الثقات - عن هلال بن خَبَّاب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، به{[29721]} وقد رواه الترمذي عن عبد بن حُمَيد ، عن محمد بن الفضل ، عن ثابت بن يزيد ، عن هلال ابن خَبَّاب ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " تُحشَرون حُفاة عُرَاة غُرْلا " . فقالت امرأة : أيبصر - أو : يرى - بعضنا عورة بعض ؟ قال : " يا فلانة ، ( لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ ){[29722]} . ثم قال الترمذي : وهذا حديث حسن صحيح ، وقد روى من غير وجه عن ابن عباس ، رضي الله عنه{[29723]} .
وقال النسائي : أخبرني عمرو بن عثمان ، حدثنا بَقِيَّة ، حدثنا الزبيدي ، أخبرني الزهري ، عن عروة ، عن عائشة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يبعث الناس يوم القيامة حفاة عراة غُرلا " . فقالت عائشة : يا رسول الله ، فكيف بالعورات ؟ فقال : " ( لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ ) {[29724]} .
انفرد به النسائي من هذا الوجه .
ثم قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا أزهر بن حاتم ، حدثنا الفضل بن موسى ، عن عائد ابن شُرَيح ، عن أنس بن مالك قال : سألت عائشة ، رضي الله عنها ، رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله ، بأبي أنت وأمي ، إني سائلتك عن حديث فتخبرني أنتَ به . فقال : " إن كان عندي منه علم " . قالت : يا نبي الله ، كيف يُحشر الرجال ؟ قال : " حفاة عراة " . ثم انتظَرتْ ساعة فقالت : يا نبي الله ، كيف يحشر النساء ؟ قال : " كذلك حفاة عراة " . قالت : واسوأتاه من يوم القيامة ! قال : " وعن أي ذلك تسألين ؟ إنه قد نزل علي آية لا يضرك كان عليك ثياب أو لا يكون " .
قالت : أيةُ آية هي يا نبي الله ؟ قال : " ( لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ ){[29725]} .
وقال البغوي في تفسيره : أخبرنا أحمد بن إبراهيم الشّريحي ، أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي ، أخبرني الحسين بن عبد الله ، حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن ، حدثنا محمد بن عبد العزيز ، حدثنا ابن أبي أويس ، حدثنا أبي ، عن محمد بن أبي عياش ، عن عطاء بن يسار ، عن سودة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يبعث الناس حفاة عراة غُرلا قد ألجمهم العرق ، وبلغ شحوم الآذان " . فقلت : يا رسول الله ، واسوأتاه ينظر بعضنا إلى بعض ؟ فقال : " قد شُغل الناس ، ( لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ ) {[29726]} .
هذا حديث غريب من هذا الوجه جدا ، وهكذا رواه ابن جرير عن أبي عمار الحسين بن حريث المروزي ، عن الفضل بن موسى ، به{[29727]} . ولكن قال أبو حاتم الرازي : عائذ بن شريح ضعيف ، في حديثه ضعف {[29728]} .
قوله : يَوْمَ يَفِرّ المَرْءُ مِنْ أخِيهِ يقول : فإذا جاءت الصاخة ، في هذا اليوم الذي يفرّ فيه المرء من أخيه . ويعني بقوله : يفرّ من أخيه : يفرّ عن أخيه وأُمّهِ وأبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ يعني زوجته التي كانت زوجته في الدنيا وَبَنِيهِ حَذِرا من مطالبتهم إياه ، بما بينه وبينهم من التّبعات والمظالم .
وقال بعضهم : معنى قوله : يَفِرّ المَرْءُ مِنْ أخِيهِ : يفرّ عن أخيه لئلا يراه ، وما ينزل به ، لكُلّ امْرِىءٍ مِنْهُمْ يعين من الرجل وأخيه وأمه وأبيه ، وسائر من ذُكر في هذه الاَية يَوْمَئِذٍ يعني يوم القيامة إذا جاءت الصاخّة يوم القيامة شأْنٌ يُغْنِيهِ يقول : أمر يغنيه ، ويُشغله عن شأن غيره ، كما :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : لِكُلّ امْرِىءٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شأْنٌ يُغْنِيهِ أفضي إلى كلّ إنسان ما يشغله عن الناس .
حدثنا أبو عمارة المَرْوَزِيّ الحسين بن حُريث ، قال : حدثنا الفضل بن موسى ، عن عائذ بن شريح ، عن أنس قال : سألت عائشة رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت : يا رسول الله بأبي أنت وأمي ، إني سائلتك عن حديث أخبرني أنت به ، قال : «إنْ كانَ عِنْدي مِنْهُ عِلْمٌ » قالت : يا نبيّ الله ، كيف يُحْشرُ الرجالُ ؟ قال : «حُفاةً عُرَاةً » . ثم انتظرت ساعة فقالت : يا نبيّ الله كيف يُحْشر النساء ؟ قال : «كَذلكَ حُفاةً عُرَاةً » . قالت : واسوءَتاه من يوم القيامة قال : «وَعَنْ ذلكَ تسألِينِي ، إنّهُ قَدْ نَزَلَتْ عليّ آيَةٌ لا يَضُرّكِ كانَ عَلَيْكِ ثِيابٌ أمْ لا » ، قالت : أيّ آية هي يا نبيّ الله ؟ قال : لِكُلّ امْرِىءٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شأْنٌ يُغْنِيهِ .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قول الله : لِكُلّ امْرِىءٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شأْنٌ يُغْنِيهِ قال : شأن قد شغله عن صاحبه .
وجملة : { لكل امرىء منهم يومئذٍ شأن يغنيه } مستأنفة استئنافاً ابتدائياً لزيادة تهويل اليوم ، وتنوينُ { شأن } للتعظيم .
وحيث كان فرار المرء من الأقرباء الخمسة يقتضي فرار كل قريب من أولئك من مثله كان الاستئناف جامعاً للجميع تصريحاً بذلك المقتضَى ، فقال : { لكل امرىء منهم يومئذٍ شأن يغنيه } أي عن الاشتغال بغيره من المذكورات بَلْهَ الاشتغال عمن هو دون أولئك في القرابة والصحبة .
وتقديم الخبر في قوله : { لكل امرىء } على المبتدأ ليتأتى تنكير { شأن } الدال على التعظيم لأن العرب لا يبتدئون بالنكرة في جملتها إلا بمسوغ من مسوغاتتٍ عَدَّها النحاة بضعةَ عشر مسوغاً ، ومنها تقديم الخبر على المبتدإ .
والإِغناء : جعل الغير غنياً ، أي غير محتاج لشيء في غرضهِ . وأصل الإِغناء والغنى : حصول النافع المحتاج إليه ، قال تعالى : { وما أغنى عنكم من اللَّه من شيء } [ يوسف : 67 ] وقال : { ما أغنى عني ماليه } [ الحاقة : 28 ] . وقد استعمل هنا في معنى الإِشغال والإِشغال أعم .
فاستعمل الإغناء الذي هو نفع في معنى الإِشغال الأعم على وجه المجاز المرسل أو الاستعارة إيماء إلى أن المؤمنين يشغلهم عن قرابتهم المشركين فرط النعيم ورفع الدرجات كما دل عليه قوله عقبه : { وجوه يومئذٍ مسفرة } إلى آخر السورة .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
قوله:"يَوْمَ يَفِرّ المَرْءُ مِنْ أخِيهِ "يقول: فإذا جاءت الصاخة، في هذا اليوم الذي يفرّ فيه المرء من أخيه. ويعني بقوله: يفرّ من أخيه: يفرّ عن أخيه "وأُمّهِ وأبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ" يعني زوجته التي كانت زوجته في الدنيا "وَبَنِيهِ" حَذرا من مطالبتهم إياه بما بينه وبينهم من التّبعات والمظالم. وقال بعضهم: معنى قوله: يَفِرّ المَرْءُ مِنْ أخِيهِ: يفرّ عن أخيه لئلا يراه، وما ينزل به.
"لكُلّ امْرِئ مِنْهُمْ" يعني من الرجل وأخيه وأمه وأبيه، وسائر من ذُكر في هذه الآية "يَوْمَئِذٍ" يعني يوم القيامة إذا جاءت الصاخّة يوم القيامة "شأْنٌ يُغْنِيهِ" يقول: أمر يغنيه، ويُشغله عن شأن غيره.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
قالوا: أقصى كل إنسان ما يشغله عن غيره...
الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي 427 هـ :
يشغله عن شأن غيره...عن سودة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يُبعث الناس حفاة عراة غرلا قد ألجمهم العرق، وبلغ شحوم الآذان". فقلت يا رسول الله واسوأتاه ينظر بعضنا إلى بعض؟ فقال: " قد شُغل الناسُ {لِكُلِّ امْرِىءٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ}"...
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
فالمراد به الذكر من الناس وتأنيثه امرأة، فالمعنى إن كل انسان مكلف مشغول بنفسه لا يلتفت إلى غيره، من صعوبة الامر وشدة أهواله. والشأن الأمر العظيم، يقال: لفلان شأن من الشأن أي له أمر عظيم، وأصله الواحد من شؤن الرأس، وهو موضع الوصل من متقابلاته التي بها قوام أمره. ومعنى (يغنيه) أي يكفيه من زيادة عليه أي ليس فيه فضل لغيره لما هو فيه من الامر الذي قد اكتنفه وملأ صدره، فصار كالغني عن الشيء في أمر نفسه لا تنازع إليه...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{يُغْنِيهِ} يكفيه في الاهتمام به. وقرئ «يعنيه» أي يهمه...
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
و «الشأن الذي يغنيه»: هو فكره في سيئاته وخوفه على نفسه من التخليد في النار، والمعنى {يغنيه} عن اللقاء مع غيره والفكرة في أمره، قال قتادة: أفضى كل إنسان إلى ما يشغله عن غيره. وقال النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة: «لا يضرك في القيامة كان عليك ثياب أم لا»، وقرأ هذه الآية وقال نحوه: لسودة، وقد قالت: واسوأتاه ينظر بعض الناس إلى بعض يوم القيامة، وقرأ جمهور الناس: «يُغنيه» بالغين منقوطة وضم الياء على ما فسرناه...
ثم إنه تعالى لما ذكر هذا الفرار أتبعه بذكر سببه... قال أهل المعاني: يغنيه أي ذلك الهم الذي بسبب خاصة نفسه قد ملأ صدره، فلم يبق فيه متسع لهم آخر، فصارت شبيها بالغني في أنه حصل عنده من ذلك المملوك شيء كثير...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما ذكر فراره الذي منعه قراره، علله فقال: {لكل امرئ} أي وإن كان أعظم الناس مروءة {منهم يومئذ} أي إذ- تكون هذه الدواهي العظام والشدائد والآلام {شأن} أي أمر بليغ عظيم {يغنيه} أي يكفيه -في الاهتمام بحيث لا يدع له حصة يمكنه صرفها إلى غيره ويوجب له لزوم المغنى، وهو المنزل- الذي يرضيه مع أنه يعلم أنه- يتبعونه ويخاف أن يطالبوه لما هم فيه من الكرب بما لعله قصر فيه من حقوقهم...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
والهول في هذا المشهد هول نفسي بحت...
فلكل نفسه وشأنه، ولديه الكفاية من الهم الخاص به، الذي لا يدع له فضلة من وعي أو جهد: (لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه).. " والظلال الكامنة وراء هذه العبارة وفي طياتها ظلال عميقة سحيقة. فما يوجد أخصر ولا أشمل من هذا التعبير، لتصوير الهم الذي يشغل الحس والضمير...
ذلك حال الخلق جميعا في هول ذلك اليوم.. إذا جاءت الصاخة.. ثم يأخذ في تصوير حال المؤمنين وحال الكافرين، بعد تقويمهم ووزنهم بميزان الله هناك...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
وجملة: {لكل امرئ منهم يومئذٍ شأن يغنيه} مستأنفة استئنافاً ابتدائياً لزيادة تهويل اليوم، وتنوينُ {شأن} للتعظيم. وحيث كان فرار المرء من الأقرباء الخمسة يقتضي فرار كل قريب من أولئك من مثله كان الاستئناف جامعاً للجميع تصريحاً بذلك المقتضَى، فقال: {لكل امرئ منهم يومئذٍ شأن يغنيه} أي عن الاشتغال بغيره من المذكورات بَلْهَ الاشتغال عمن هو دون أولئك في القرابة والصحبة. والشأن: الحال المهم. وتقديم الخبر في قوله: {لكل امرئ} على المبتدأ ليتأتى تنكير {شأن} الدال على التعظيم لأن العرب لا يبتدئون بالنكرة في جملتها إلا بمسوغ من مسوغاتٍ عَدَّها النحاة بضعةَ عشر مسوغاً، ومنها تقديم الخبر على المبتدأ. والإِغناء: جعل الغير غنياً، أي غير محتاج لشيء في غرضهِ. وأصل الإِغناء والغنى: حصول النافع المحتاج إليه...
وقد استعمل هنا في معنى الإِشغال والإِشغال أعم. فاستعمل الإغناء الذي هو نفع في معنى الإِشغال الأعم على وجه المجاز المرسل أو الاستعارة إيماء إلى أن المؤمنين يشغلهم عن قرابتهم المشركين فرط النعيم ورفع الدرجات كما دل عليه قوله عقبه: {وجوه يومئذٍ مسفرة} إلى آخر السورة...
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
لأن القضية قضية المصير الذي لا يملك أحد تبديله بأيّة وسيلةٍ من الوسائل التي كان يستعملها في الدنيا...
.فليس لديه فراغ لغيره وليس عنده فضلة لسواه، إنه همّه الكبير الذي لا همّ أكبر منه، وهو شأنه العظيم الذي لم يطرأ في حياته شأنٌ مثله، فعلى الآخرين من أهله أن يتركوه ليفكر في همه، وأن يدعوه وشأنه...