إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{لِكُلِّ ٱمۡرِيٕٖ مِّنۡهُمۡ يَوۡمَئِذٖ شَأۡنٞ يُغۡنِيهِ} (37)

{ لِكُلّ امرئ منهُم يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ } فإنَّه استئنافٌ واردٌ لبيانِ سببِ الفرارِ أي لكُلِّ واحدٍ من المذكورينَ شغلٌ شاغلٌ وخطبٌ هائلٌ يكفيِه في الاهتمامِ به ، وأما الفرارُ حَذَراً من مطالبتِهم أو بُغضاً لهُم كَما يُروَى عن ابنِ عبَّاسٍ رضيَ الله تعالى عنهُمَا أنَّه يفرُّ قابيلُ من أخيِه هابيلَ ، ويفرُّ النبيُّ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ منْ أُمِّه ، ويفرُّ إبراهيمُ عليهِ السَّلامُ من أبيهِ ، ونوحٌ عليهِ السَّلامُ من ابنِه ، ولوطٌ عليهِ السَّلامُ من امرأتِه ، فليسَ من قبيلِ هذا الفرارِ .

وكَذا مَا يُروَى أنَّ الرجلَ يفرُّ من أصحابِه وأقربائِه لئلاَّ يَروَه على ما هُو عليهِ من سُوءِ الحالِ . وقُرِئ يَعْنِيه بالياءِ المفتوحةِ والعينِ المُهملةِ ، أي يُهمَّهُ من عناهُ الأمرُ إذا أهمَّه أي أوقعَهُ في الهمِّ ومنْهُ : «منْ حُسنِ إسلامِ المرءِ تركُه ما لا يَعنيه »{[821]} لا من عناهُ إذا قصدَهُ كما قيلَ : وقولُه تعالى : { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مسْفِرَةٌ } .


[821]:أخرجه الترمذي في كتاب الزهد باب (11) وابن ماجه في كتاب الفتن باب (12) ومالك في كتاب حسن الخلق حديث رقم (3) وأحمد في (1/201).