ثم بين سبحانه - الصفات التي يعرف بها المنافقون ، بعد بيانه للصفات التي يعرف بها المؤمنون الصادقون فقال : { إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالله واليوم الآخر وارتابت قُلُوبُهُمْ } .
أى : إنما يستأذنك - يا محمد - في القعود عن الجهاد أولئك الذين من صفاتهم أنهم لا يؤمنون بالله إيمانا كاملا ، ولا يؤمنون باليوم الآخر وما فيه من ثواب وعقاب إيمانا يقينيا .
قال الآلوسى : وتخصيص الإِيمان بها - أى بالله واليوم الآخر - في الموضعين للإِيذان بأن الباعث على الجهاد والمانع عنه الإِيمان بهما وعدم الإِيمان بهما ، فمن آمن بهما قاتل في سبيل دينه ، وهان عليه القتل فيه لما يرجوه في اليوم الآخر من النعيم المقيم ، ومن لم يؤمن كان بمعزل عن ذلك .
على أن الإِيمان بهما مستلزم للإِيمان بسائر ما يجب الإِيمان به .
وقوله : { وارتابت قُلُوبُهُمْ } ثالثة من صفاتهم الذميمة .
أى : أنهم بجانب عدم إيمانهم بالله واليوم الآخر ، رسخ الريب في قلوبهم فصاروا يشكون في صحة ما جئت به - أيها الرسول الكريم - ، ويقفون من تعاليمك وتوجيهاتك ، موقف المكذب المرتاب لا موقف المصدق المذعن .
وأضاف الشك والارتياب إلى القلوب ، لأنها محل المعرفة والإِيمان . وأوثرت صيغة الماضى - ارتابت ، للدلالة على تحقق الريب وتوبيخهم . وأصل معنى التردد : الذهاب والمجئ . والمراد به هنا لتحير على سبيل المجاز ، لأن المتحير لا يستقر في مكان ، ولا يثبت على حال .
أى : فهم في شكهم الذي حل بهم يتحيرون ، فنراهم كما وصفهم - سبحانه - في آية أخرى . { مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلك لاَ إلى هؤلاء وَلاَ إِلَى هؤلاء } أى : متحيرين بين الكفر وبين الإِيمان .
وبذلك نرى أن هاتين الآيتين قد ذكرتا السمات التي بها يتميز المؤمنون الصادقون عن غيرهم من الذين قالوا آمنا وما هم بمؤمنين .
إنما يستأذن أولئك الذين خلت قلوبهم من اليقين فهم يتلكأون ويتلمسون المعاذير ، لعل عائقاً من العوائق يحول بينهم وبين النهوض بتكاليف العقيدة التي يتظاهرون بها ، وهم يرتابون فيها ويترددون .
إن الطريق إلى اللّه واضحة مستقيمة ، فما يتردد ويتلكأ إلا الذي لا يعرف الطريق ، أو الذي يعرفها ويتنكبها اتقاء لمتاعب الطريق !
{ إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ } أي : في القعود ممن لا عذر له { الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ } أي : لا يرجون ثواب الله في الدار الآخرة على أعمالهم ، { وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ } أي : شكت في صحة ما جئتهم به ، { فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ } أي : يتحيرون ، يُقَدِّمُون رجلا ويؤخرون أخرى ، وليست لهم قدم ثابتة في شيء ، فهم قوم حيارى هَلْكى ، لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ، ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا .
القول في تأويل قوله تعالى : { إِنّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الاَخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدّدُونَ } .
يقول تعالى ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم : إنما يستأذنك يا محمد في التخلف خلافك ، وترك الجهاد معك من غير عذر بين الذين لا يصدّقون بالله ، ولا يقرّون بتوحيده . وَارْتابَتْ قُلُوبُهُمْ يقول : وشكت قلوبهم في حقيقة وحدانية الله ، وفي ثواب أهل طاعته ، وعقابه أهل معاصيه . فَهُمْ فِي رَيْبهْمِ يَتردّدوَن يقول : في شكهم متحيرون ، وفي ظلمة الحيرة مترددون ، لا يعرفون حقّا من باطل ، فيعملون على بصيرة . وهذه صفة المنافقين .
وكان جماعة من أهل العلم يرون أن هاتين الاَيتين منسوختان بالآية التي ذكرت في سورة النور . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يحيى بن واضح ، عن الحسين ، عن يزيد ، عن عكرمة والحسن البصري ، قالا : قوله : لا يَسْتأذِنُكَ الّذِينَ يُؤمِنُونَ باللّهِ . . . إلى قوله : فَهُمْ في رَيْبِهِمْ يَتَرَدّدُونَ نسختهما الآية التي في النور : إنّمَا المُؤمِنُونَ الّذِينَ آمَنُوا باللّهِ . . . إلى : إنّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.