{ ولقد رآه } يعني رأى النبي صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام على صورته ، { بالأفق المبين } وهو الأفق الأعلى من ناحية المشرق ، قاله مجاهد وقتادة .
أخبرنا أحمد بن إبراهيم الشريحي ، أنبأنا أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي ، أخبرني ابن فنجويه ، حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا الحسن بن علوية ، حدثنا إسماعيل بن عيسى ، حدثنا إسحاق بن بشر ، أنبأنا ابن جريح ، عن عكرمة بن خالد ومقاتل عن ابن عباس قال : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبريل : إني أحب أن أراك في صورتك التي تكون فيها في السماء ، قال لن تقوى على ذلك ، قال : بلى ، قال : فأين تشاء أن أتخيل لك ؟ قال : بالأبطح ، قال : لا يسعني ، قال فهاهنا ، قال : لا يسعني ، قال : فبعرفات ، قال : ذلك بالحر أن يسعني فواعده ، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم في الوقت فإذا هو بجبريل قد أقبل من حيال عرفات بخشخشة وكلكلة ، قد ملأ ما بين المشرق والمغرب ، ورأسه في السماء ورجلاه في الأرض ، فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم كبر وخر مغشياً عليه . قال : فتحول جبريل في صورته فضمه إلى صدره ، وقال : يا محمد لا تخف فكيف لك لو رأيت إسرافيل ورأسه من تحت العرش ورجلاه في تخوم الأرض السابعة ، وأن العرش لعلى كاهله ، وإنه ليتضاءل أحياناً من مخافة الله عز وجل حتى يصير مثل الصعو أي العصفور ، حتى ما يحمل عرش ربك إلا عظمته " .
وقوله - سبحانه - : { وَلَقَدْ رَآهُ بالأفق المبين } معطوف - أيضا - على قوله - تعالى - قبل ذلك : { إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ } فهو من جملة المقسم عليه .
والمقصود بهذه الرؤية : رؤية النبى صلى الله عليه وسلم لجبريل - عليه السلام - لأول مرة ، على الهيئة التى خلقه الله عليها ، عندما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يتعبد فى غار حراء ، وكان صلى الله عليه وسلم قد سأل جبريل أن يريه نفسه ، على الهيئة التى خلقه الله - تعالى - عليها .
والأفق : هو الفضاء الواسع الذى يبدو للعين ما بين السماء والأرض .
والمبين : وصف للأفق ، أى : بالأفق الواضح البين ، الذى لا تشتبه معه المرئيات .
والمعنى : ووالله لقد رأى صاحبكم محمد صلى الله عليه وسلم جبريل ، بصورته التى خلقه الله عليها ، بالأفق الواضح البين ، الذى لا تلتبس فيه المرئيات ، ولا مجال فيه للأوهام والتخيلات .
والمقصود من الآية الكريمة الرد على المشركين الذين كانوا إذا أخبرهم الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه رأى جبريل . كذبوه واستهزءوا به ، وتأكيد أن هذه الرؤية كانت حقيقة واقعة ، لا مجال معها للتشكيك أو اللبس .
قال الإِمام ابن كثير : وقوله - تعالى - { وَلَقَدْ رَآهُ بالأفق المبين } يعنى : ولقد رأى محمد جبريل الذى يأتيه بالرسالة عن الله - عز وجل - وعلى الصورة التى خلقه الله عليها ، له ستمائه جناح { بالأفق المبين } أى : البين ، وهى الرؤية الأولى التى كانت بالبطحاء - أى بالمكان المجاور لغار حراء . وهى المذكورة فى قوله - تعالى - : { عَلَّمَهُ شَدِيدُ القوى . ذُو مِرَّةٍ فاستوى . وَهُوَ بالأفق الأعلى . ثُمَّ دَنَا فتدلى . فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أدنى . فأوحى إلى عَبْدِهِ مَآ أوحى . . . }
وقوله : وَلَقَدْ رآهُ بِالأُفُقِ المُبِينِ يقول تعالى ذكره : ولقد رآه أي محمد جبريلَ صلى الله عليه وسلم في صورته بالناحية التي تبين الأشياء ، فترى من قبلها ، وذلك من ناحية مطلع الشمس من قِبَل المشرق . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحرث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : بالأُفُقِ المُبِينِ الأعلى . قال : بأفق من نحو «أجياد » .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة بالأُفُقِ المُبِينِ قال : كنا نحدّث أن الأفق حيث تطلع الشمس .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَلَقَدْ رَآهُ بِالأُفُقِ المُبِينِ كنا نحدّث أنه الأفق الذي يجيء منه النهار .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَلَقَدْ رَآهُ بِالأُفُقِ المُبِينِ قال : رأى جبريل بالأفق المبين .
حدثني عيسى بن عثمان بن عيسى الرمليّ ، قال : حدثنا يحيى بن عيسى ، عن الأعمش ، عن الوليد بن العيزار ، قال : سمعت أبا الأحوص يقول من قول الله : وَلَقَدْ رَآهُ بالأُفُقِ المُبِينِ قال : رأى جبريل له ستّ مئة جناح في صورته .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن عطاء ، عن عامر ، قال : ما رأى جبريل النبيّ صلى الله عليه وسلم في صورته إلا مرّة واحدة ، وكان يأتيه في صورة رجل يقال له دَحْية ، فأتاه يوم رآه في صورته قد سدّ الأفق كله عليه سندس أخضر معلق الدرّ ، فذلك قول الله : وَلَقَدْ رَآهُ بِالأُفُقِ المُبِينِ وذُكر أن هذه الاَية في : إذَا الشّمْسُ كُوّرَتْ إنّه لَقَوْلُ رَسُولِ كَرِيمٍ في جبريل ، إلى قوله : وَما هُوَ عَلى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ يعني النبيّ صلى الله عليه وسلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.